قالت لي وأناملها تعتصر منديلها الورقي في راحتها:

- أريد أن أكرهه! بضعة أعوام من الفراق، رصيدٌ هائل من الخذلان، جبال من الخيبة، انفراط عقد العمر بَعْدَهُ، كل هذا لا يكفي لكي أكرهه!

- ربما لا تحتاجين كراهيته.. ربما فقط ما ينقصكِ هو أن تحبي نفسك.

قلتها، بينما أتذكر قصتها التي أعرف تفاصيلها بحكم عمر صداقتنا الطويل.. قصة تقليدية لفتاة تحب جارها منذ مراهقتها، ليتزوجها في لحظة تهور، محاولاً بها نسيان أخرى.. أخرى عادت «ترفرف» فوق عالمهما؛ فاختار التحليق معها، تاركاً صديقتي على الأرض.

تعلمون قصة «أخيل» أو كما يسمونه «أخيليس»؟!.. هذه الأسطورة الإغريقية الشهيرة، عن الطفل الذي أمسكته أمه من كعبه؛ لتغمس جسده كاملاً في البحيرة المقدسة؛ كي تضمن له الخلود.. فبقي كعبه هو نقطة ضعفه، التي استغلها أعداؤه ليقتلوه!

هكذا كان هو «كعب أخيل» الخاص بها.. لعنة قلبها التي لم يفك طلاسمها بَعْدَهُ أحدٌ، أرقبها من بعيد بحسرة؛ فأراها تعتلي جبال نجاحها واحداً بعد الآخر، في جميع مجالات حياتها، لكنها تبقى معه في قاع بحرِ خيبةٍ بلا قرار.. أحبته فنسيت أن تحب نفسها!

أتمنى لو أراها بـ«عين خيالي» تتوقف عن محاربة طواحين الهواء؛ فتستسلم لفكرة أنه رحل ولن يعود.. أراها تحكم - بحيادية - فتراه مجرد ورقة سقطت من شجرة العمر، ولن ترجع.. أراها تتوقف عن جَلْد نفسها به، وجلده هو بكراهية تزعمها.. أراها ترضى بحكم القدر؛ فتنظر إلى ما في يدها قانعة.. أراها تقابل مَنْ يضعها على موقع العاصمة بخريطة أيامه؛ فينسيها مذاق الفقد الحارق.. أراها تمنح نفسها، وتمنحه، فرصة لتجاوز هذا السد.

إقرأ أيضاً:  لولوة المنصوري تكتب: نقطة بين نقطتين
 

لكن «عين الخيال» جامحة حقاً، فهاهي ذي لاتزال ترتدي «دبلته».. تتخير زيَّها بذوقه.. تنتظر زهوره على قارعة طريق قَفْر مجدب.. تتلقى المزيد من السهام في «كعب أخيل» الخاص بها؛ لعلَّ قرابين الدماء ترضي معابد الحب العتيقة!

ربما كان خطأنا الأعظم أننا ننتظر عودة من خذلونا نادمين مستغفرين.. ولا نعلم أن مجرد انتظارهم يساوي المزيد من خسائر الخذلان..!

الثمرة التي سقطت من على غصنها ناضجة، قبل أن تفسدها حرارة الجو، لن تعود إليه.. والرصاصة التي أطلقتها بندقية صياد لن ترجعها دموع الفريسة..! والحب الذي سُكِبَ زهداً على الأرصفة، لن يعود إلى قارورته الهشة! 

ما الحل إذن؟! أن نتقن فلسفة «تصحيح المسار».. أن نؤمن بأن قطار العمر لا يتوقف عند محطة بعينها، وأنه دوماً سيمضي في طريقه.. أن نحب أنفسنا، وننتظر من يحبها مثلنا بعيوبنا قبل مزايانا..!

ليتنا عندما نمر على الأساطير نتذكر «كعب أخيل»، نمر كذلك على حكاية «العنقاء» التي - بعد احتراقها - تنهض؛ لترفع رأسها واثقة بأنه بعد الرماد حياة!!