مع بدء العد التنازلي لافتتاح "إكسبو 2020"، في أكتوبر المقبل، حينما يجتمع العالم على أرض الإمارات، يقوم أربعة فنانين إماراتيين، من أجيال مختلفة، بوضع اللمسات الأخيرة على أعمالهم الفنية الدائمة في الأماكن العامة بالموقع.

في إطار برنامج الفنون البصرية بالأماكن العامة، ضمن "إكسبو 2020 دبي"، يشارك الفنانون: عبدالله السعدي، وشيخة المزروع، وعفراء الظاهري، وأسماء بالحمر، مع زملاء لهم من المنطقة والعالم، في خلق مساحة لا سابق لها، تحتفي بالإبداع والفن المعاصر على امتداد الأشهر الستة لانعقاد فعاليات الحدث العالمي، وتستمر لتكون إرثاً بصرياً وجمالياً دائماً، يتداخل ويتناغم مع النسيج الحضري لهذا الجزء المستقبلي من مدينة دبي.

وعمل منسق برنامج الفنون البصرية في الأماكن العامة، طارق أبو الفتوح، على تصميم البرنامج بما ينسجم مع رؤية "إكسبو 2020" في تواصل العقول وصنع المستقبل، والخطة الطموحة التي تم تصميم موقع "إكسبو 2020 دبي" على أساسها، حيث يقوم على مخطط حضري مصمم للترحيب بالعالم أثناء انعقاد الحدث الدولي المرتقب، وليكون امتداداً عمرانياً مستقبلياً لمدينة دبي، بعد إسدال الستار على فعالياته في 31 مارس 2020، ويتحول إلى "دستركت 2020"، مدينة المستقبل الذكية المتمحورة حول الإنسان، والتي ستتطور في موقع إكسبو 2020 دبي.

ويشارك الفنان عبدالله السعدي، المقيم في خورفكان، بمنحوتة دائمة متداخلة مع مكان عام مخصص لجلوس الجمهور بعنوان "ترحال". وهي نتيجة لانغماس الفنان في الطبيعة الفريدة لمنطقة وادي الطيبة في إمارة الفجيرة. ويأخذ العمل شكل لوحات تصويرية، كأنها خرائط رسمها الفنان فوق أحجار ضخمة من منطقة وادي الطيبة، وتمثل دعوة لاكتشاف نوع من اللغة البصرية الشعرية المرتبطة بتاريخ جيولوجي موغل في القدم.

وتشارك الفنانة شيخة المزروع، المولودة في الشارقة والمقيمة حالياً في دبي، بعمل باسم "القاعدة" الذي يحمل لغتها الجمالية الشديدة الخصوصية، والتي تعكس حسها العميق وفهمها البديهي للمواد وخصائصها الفيزيائية. ويشير العمل من حيث الشكل والمفهوم الى القاعدة التي تنتصب عليها التماثيل، حيث سيكون على الإدارة المستقبلية لـ"دستركت 2020" أن تقوم بتكليف فنانين آخرين بخلق أعمال فنية أخرى تعرض فوقه أو تكون على علاقة معه. وتسعى الفنانة لتوظيف المنحوتة الرخامية الدائمة كأداة للحوار والتعاون الجمالي والفكري، بينها وبين فنانين آخرين في المستقبل، قد لا تعرفهم أو تقابلهم.

وتحت إشراف المنسقين الفنيين المشاركين: منيرة الصايغ، ومحمد العلما، تشارك الفنانتان عفراء الظاهري وأسماء بالحمر في جزء خاص من البرنامج، يستكشف الذاكرة الجمعية وعلاقتها بالطبيعة المحلية والمفردات المعمارية.

فالمنحوتة الرخامية الضخمة للفنانة عفراء الظاهري، وهي تعيش وتعمل في أبوظبي، تحمل اسم: " نلعب بيت؟"، وهي تستلهم التّكية التقليدية، أو الوسائد الأرضية التقليدية في الإمارات، لاستحضار لحظات من الذاكرة الجمعية لألعاب الأطفال المرتجلة عند استعمالهم تلك الوسائد لصنع بيت أو حصن.

"تباين المألوف" هو اسم عمل الفنانة أسماء بالحمر، التي تعيش وتعمل في دبي، وهو منحوتة تدمج تشكيلات من الطبيعة والبيئة الحضرية، كأنها تسجيل للانتقال البصري عند التحرك بين مناظر الجبال ومناظر المدينة، حيث يبدو التغير من التضاريس الطبيعية إلى المدينة والمعمار المتنوع والأبنية الشاهقة، بمثابة رحلة عبر تحولات في الحجم والزمن.

وتتشابك أعمال هؤلاء الفنانين في متن النسيج العمراني والهندسي للموقع، للمرة الأولى، في تاريخ دولة الإمارات والعالم العربي، لتشكل نقاط جذب ومعالم رئيسية ومحورية في الحياة العامة، تضفي على الموقع سمة معاصرة وحيوية، وتمنح زوار "إكسبو" وقاطني "دستركت 2020" المستقبليين سردية بصرية وحسية متجددة، دافقة بالأفكار والصور البصرية.

إقرأ أيضاً:  الكشف عن «إكوينوكس» للفنان البريطاني مات كوليشو في تيرّا - جناح الاستدامة في «إكسبو2020»
 

ويستلهم برنامج الفنون البصرية المعاصرة لإكسبو 2020 "كتاب المناظر" لعالم الرياضيات والفلك والفيزياء العربي الشهير ابن الهيثم، الذي أنجزه في القرن الحادي عشر ميلادي (الخامس الهجري). ما يوفر سياقاً فريداً لرؤية أعمال فنية معاصرة تُلهم الزوار، وتحثّهم على استثمار قوة الخيال من أجل اكتشاف الأفكار والرؤى والسرديات وتبادلها برحابة. حيث إن إعادة قراءة عمل كلاسيكي وتأسيسي في الفن والعلم، مثل "كتاب المناظر"، يساعدنا على سبر غور أفكار وفلسفات نابعة من تاريخ هذه المنطقة من العالم الثري بالشعر والملاحم والإرث الفكري، ليس فقط للتفكير في حاضر الكون اليوم، بل لتخيل عدسات سحرية تطرح تصوراً جديداً لمستقبله وأطيافه الكثيرة.

ومع تسارع الإنجازات البشرية المذهلة، العلمية والتكنولوجية، في عالم شديد التشابك، وتطور وسائل التواصل المكثّف بين مختلف المجتمعات والأفراد، يعود برنامج الفنون البصرية في "إكسبو 2020" إلى أفكار ابن الهيثم ذاتها، لتساعدنا على استكشاف الخصوصيات الثقافية والتفريق بين ما نراه وما نتصوره وما ندركه، وأهمية قوة الخيال في "تكوين الصورة". فالقدرة الفريدة المشتركة والمؤكدة بين البشر هي ميزة التخيل والقدرة على التقاط السرديات والقصص، مهما كانت "غريبة" عنهم.