في الخمسينات كانت الأميركية بيتي نسميث غراهام تعمل كالعديد من النساء كسكرتيرة، ولكن نظراً لمهاراتها المتدنية في استخدام الآلة الكاتبة، ورئيسها الصارم في العمل، وحاجتها لإعالة نفسها وابنها الصغير مايكل، فكّرت بيتي في إيجاد وسيلة للتمسك بوظيفتها، لذلك ابتكرت سائل تصحيح الورق السائل، والذي أدى إلى إقالتها قبل أن يساعدها على جني الملايين.

بداية عاثرة 

تركت بيتي نسميث غراهام المدرسة في سن الـ17 عاماً لتصبح سكرتيرة، وتزوجت حبيبها في المدرسة الثانوية، وارن نسميث، لكن بعد عامين فقط ذهب زوجها للقتال في الحرب العالمية الثانية، وكانت حاملاً بابنها مايكل، وبعد عودته بفترة قصيرة، وقع الطلاق بينهما. 

حملت بيتي نسميث غراهام لقب "سيدة مطلقة" في أوائل العشرينات من عمرها، وكانت تعول طفلها من العمل في عدة أعمال جانبية بمجالي الفن والأزياء.

يقول نجلها، وهو يسرد معاناة والدته في سيرته الذاتية لعام 2017 "الثلاثاء اللانهائي": "كانت المشاكل المالية عادة تدفع نسميث غراهام للبكاء".

راتبها

في سن الثلاثين، حصلت بيتي نسميث غراهام على وظيفة ثابتة في بنك تكساس براتب 300 دولار في الشهر، لكنها كانت ترتكب العديد من الأخطاء الطباعية على آلتها الكاتبة، والتي لم تستطع إصلاحها. لكن بدلاً من الاستسلام للمشكلة، اعتمدت على خلفيتها الفنية، وابتكرت حلاً: إخفاء الأخطاء المطبعية باستخدام الطلاء الأبيض وفرشاة الألوان المائية، وهي فكرة استوحتها من الرسامين الذين تعاملت معهم.

وسرعان ما بدأت بيتي نسميث غراهام تعد المزيج في خلاط مطبخها، وتستخدمه خِلسة في العمل لتصحيح الأخطاء المطبعية، بدلاً من الطرق التقليدية الفوضوية، مثل استخدام الممحاة، والتي كانت تستغرق الكثير من الوقت ولا تقدم نفس الجودة.

ابتكار "Mistake Out"

وعلى الرغم من أنها لا تستطيع تحمل تكلفة رسوم تسجيل حقوق الملكية الفكرية لابتكارها منتج "وداعاً للأخطاء" Mistake Out، والتي بلغت 400 دولار، واصلت بيتي نسميث غراهام إتقان التركيبة.

عام 1979، قالت بيتي نسميث غراهام لمجلة "تكساس وومن": "خلال تلك الفترة، كنت غالباً أعاني من الإحباط، حيث أردت أن يكون المنتج مثالياً قبل توزيعه، وكان ذلك يستغرق وقتاً طويلاً للغاية".

وعلى النقيض من العديد من رواد الأعمال البارزين، مثل المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "تويتر" جاك دورسي، والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "سيلز فورس دوت كوم" لخدمات البرمجيات السحابية مارك بينيوف، اللذين استقلا بمباركة رؤسائهما في العمل لبدء مشاريعهما الخاصة، كانت بيتي نسميث غراهام تحتاج إلى الوظيفة، لذلك كان عليها أن تبقي ابتكارها سرياً.

مقاومة الإحباط

بدأت بيتي نسميث تبيع منتجها سراً إلى سكرتيرات أخريات، قبل أن تنتقل بعد ذلك إلى تجار الجملة. ومع نمو تجارتها وتقدم ابنها في السن، استعانت نسميث غراهام بخدمات ابنها مايكل وأصدقائه المراهقين، وكلفتهم بالعمل في المنزل على ملء زجاجات طلاء الأظافر الفارغة بالمنتج الجديد، ووضع الملصقات عليها يدوياً مقابل دولار واحد في الساعة.

وبعد 4 سنوات من ابتكار منتجها، وقعت على رسالة مصرفية باسم شركتها الخاصة من دون قصد، ما أدى إلى فصلها من العمل.

براءة الاختراع

لكن هذا أعطى غراهام الفرصة لتكريس وقتها الكامل لمشروعها الخاص، واستقرت على اسم "الورق السائل" Liquid Paper، وتقدمت أخيراً بطلب للحصول على براءة اختراع.

وسرعان ما نجحت غراهام في ضم أسماء بارزة، مثل "جنرال إلكتريك"، و"آي بي إم"، إلى قائمة عملائها. وفي غضون 10 سنوات، افتتحت مصنعاً مُميكنناً، وبحلول عام 1975، كانت شركة بيتي نسميث غراهام  تنتج 25 مليون زجاجة من الورق السائل سنوياً.  وكانت تجازف كثيراً لتحقيق أرباح عالية، حيث تخاطر بوقتها وأموالها سعياً وراء بناء مشروع أحلامها. وقال الخبير المالي توم كورلي: "عندما تحقق حلماً تجارياً، تكون المكافآت المالية أعلى بكثير مع الاستثمار، لدرجة تغيّر الحياة".

في نادي الأثرياء

مع نجاح شركتها، تمكنت بيتي نسميث غراهام، أخيراً، من بدء حياة فاخرة وشراء المجوهرات وسيارة "رولز رويس"، كما أسست اثنتين من المنظمات الخيرية تقدمان الدعم المالي والمنح للنساء في مجال الفنون والأعمال التجارية.

لكن تحديات بيتي نسميث غراهام لم تتوقف، حيث حاول زوجها الثاني روبرت غراهام، الذي كان يشارك بشكل كبير في الشركة، انتزاع السيطرة على شركتها. وفي عام 1975، تقدمت بطلب الطلاق، وبعد 4 سنوات، تحديداً في عام 1979، باعت الشركة لشركة جيليت بـ47.5 مليون دولار، إلا أنّها توفيت فجأة بعد 6 أشهر؛ جراء سكتة دماغية.

أما نجلها مايكل، فقد أصبح عضواً في فرقة روك شعبية بالستينات تدعى "ذا مانكييز"، وورث 25 مليون دولار من والدته بعد وفاتها، وتولى إدارة منظماتها الخيرية، ونشر قصة كفاح والدته في سيرته الذاتية.

قال مايكل في مقابلة تلفزيونية، مع المذيع ديفيد ليترمان عام 1983: "كانت لديها رؤية، وحصلت على قدر كبير من المساعدة، وتزوجت مرة أخرى. حصلت على بعض المساعدة من بعض المديرين التنفيذيين الأكفاء، لكنها بنت شركة دولية كبيرة تساوي ملايين الدولارات، وأنقذت حياة الكثير من السكرتيرات".