حب الحياة يهزم سرطان الثدي

تعيش الناجيات من مرض سرطان الثدي، في الأغلب، حالة من الألم والحزن والفقد؛ نتيجة استئصال جزء مهم من أجسادهن، ما يشوه جمالهن، ومظهرهن الخارجي. ورغم قسوة التجربة، فإن الكثيرات منهن يتحلين بالصبر والإيمان وقوة الإرادة، وهي الأسلحة التي من خلالها استطعن هزيمة المرض الخبيث.

تعيش الناجيات من مرض سرطان الثدي، في الأغلب، حالة من الألم والحزن والفقد؛ نتيجة استئصال جزء مهم من أجسادهن، ما يشوه جمالهن، ومظهرهن الخارجي. ورغم قسوة التجربة، فإن الكثيرات منهن يتحلين بالصبر والإيمان وقوة الإرادة، وهي الأسلحة التي من خلالها استطعن هزيمة المرض الخبيث.

في التحقيق التالي، تسرد مجموعة من الناجيات لـ«زهرة الخليج» قصصهن الملهمة ورحلاتهن مع العلاج، وتجاربهن للانتصار على المرض؛ ليقدمن نموذجاً في قوة الإرادة، والتصميم على الشفاء، والتفاؤل بغدٍ أفضل.

  • الدكتورة رشا عباس: الحالة النفسية للمريضة تؤثر في نجاح العلاج.

جلسات «المبهجة»

ليس شرطاً أن يكون المرض سبباً في القضاء على طموح وأحلام وسعادة الإنسان؛ فقد خالفت عزة محمد محمود (ربة منزل)، إحدى بطلات محاربة سرطان الثدي، الحكمة التي تقول: «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء»؛ فأطلق عليها فريق التمريض والمعالجين، وهي تتلقى جلسات الكيماوي، اسم «المبهجة»؛ فقد كانت تسمع، دائماً، جملة واحدة من المحيطين: «وإنت تأخذين الكيماوي؛ ازددت جمالاً أكثر من قبل العملية».

تقول عزة: السبب في ذلك أن الإنسان يتأثر بما في نفسه، إن كان خيراً أصبح وجهه جميلاً متفائلاً، وإن كان العكس تأثرت ملامحه أيضاً، وأنا شخصية محبة للحياة، وأعتقد أن السعادة الحقيقية تكمن في الرضا ومساعدة الآخرين، وهذا ما أفعله الآن، فقد حصلت بعد إتمام عملية استئصال الثدي على شهادات في الدعم النفسي، من أجل مساعدة البطلات الناجيات من سرطان الثدي؛ لتخطي تلك المحنة، وكنت أضرب لهن المثل بحالتي التي قد تكون أسوأ من الكثيرات منهن في بعض الأحيان.

وتؤكد عزة أن تشخيصها بسرطان الثدي كان بمحض الصدفة؛ فلم تَشْكُ أبداً أوجاعاً أو تغيراً في شكل الثدي، أو غير ذلك، وتقول: فقط ذهبت لعمل الفحص الدوري للثدي، الذي تقوم به النساء سنوياً؛ لأكتشف - من خلاله - إصابتي بالمرض.

ولأنها مؤمنة بالقضاء والقدر، كان ذلك المرض دافعاً عظيماً لإصلاح أحوالها؛ فبدأت - بعد تشخيص المرض، وإجراء العملية الجراحية، وتلقي «الكيماوي» وما صاحبه من آلام - في تغيير نظرتها إلى الحياة، معتبرة أن مرضها كان رزقاً من الله، والمرض ليس شراً كما يعتقد البعض، لكنه درس نتعلم منه قيمة الصحة والحياة.

وتلفت إلى أنها تعلمت ودرست وشاركت في جمعية تطوعية؛ كي تساعد الناجيات وتدعمهن، فمنحها العمل التطوعي حياة جديدة، من خلال سعادة وراحة الآخرين بالحديث معها، وتعلمت أيضاً فن الكولاج، وأسست مشروعاً صغيراً لبيع أعمالها الفنية، ولولا مرضها - بحسب قولها - لما استطاعت أن تنجز وتنجح في حياتها العملية.

اختبار أصعب

تتذكر حنان علي أحمد (معلمة تربية فنية) بدايات قصة مرضها بالسرطان، قائلة: لم أشعر بأيِّ تكتلات بالثدي، مثلما هو منتشر عن أن التكتلات إحدى العلامات المهمة للإصابة، لكنني كنت أشعر بحرقة في الثدي فقط؛ لذلك لم يخطر ببالي أبداً أن يكون ذلك عَرَضاً لمرض سرطان الثدي، ولم آخذ الموضوع على محمل الجد. وعندما ازدادت الحرقة؛ نصحتني صديقتي بالذهاب إلى المستشفى لإجراء فحص الثدي للاطمئنان، وبالفعل قمت بإجراء فحص «الماموغرام»، الذي أكد إصابتي بسرطان الثدي.

  • سيدات كثيرات يفضلن استخدام حشوات السيليكون في عمليات الترميم.

وتستكمل: بعد تأكدي من الإصابة؛ توكلت على رب العالمين، واستقبلت الموضوع بصدر رحب، وكنت على يقين أن الله وهبني منحة وليس محنة، وأنني الآن في اختبار ولابد أن أجتازه بنجاح، وبالفعل قمت بإجراء عملية استئصال الثدي مع عملية إعادة بناء في نفس الوقت (أي استئصال عضلة من عضلات الظهر، وتجميل مكان الثدي المستأصل بها).

وتستعيد حنان ذكريات أليمة، وتسردها كأنها تحكي عن شخصية أخرى، واليقين بالله والأمل والتفاؤل لا تترك حديثها، قائلة: بعد يومين من إجراء العملية، شعرت بتورم في الثدي وبألم، ومع الكشف تبين أن الجسد رفض العضلة التي تمت زراعتها بديلاً عن الثدي الذي تم استئصاله، فأجريت عملية أخرى لمحاولة زرع العضلة من جديد، ولم يفلح الأمر؛ فدخلت غرفة العمليات للمرة الثالثة في الأسبوع نفسه لإزالتها، ومع ذلك لم أشكُ، ولم أتذمر؛ فقد كنت على يقين بأنه كلما ازداد حب الله للعبد كلما كان اختباره أصعب.

وتستكمل: بدأت بعد ذلك في تلقي جلسات «الكيماوي»، ورغم صعوبة تلك الفترة، فإن الله ألهمني الاستعانة بقراءة سورة البقرة خلال فترة تلقي الجرعة، واستطعت بذلك تخطي تلك المرحلة الصعبة، لاسيما أن والدي كان سندي وداعمي، وكان دائماً إلى جواري في الجلسات، يشد من أزري ويدعو لي، والآن أنا في المرحلة التالية بعد إتمام جلسات «الكيماوي»، وهي العلاج بالهرمونات، وأنتظر أن يمنَّ الله عليَّ بالشفاء التام قريباً.

مساندة الأبناء

تقول وفاء محمود حنفي إن زوجها، توفاه الله وهي في عقدها الثالث؛ لتقوم بتحمل مسؤولية وتربية 3 أبناء بمفردها، أصغرهم عمره 8 أشهر؛ فقررت أن تهبهم حياتها، وقد تلقت الدعم المادي والمعنوي من والدها، الذي لم يتركها إلى أن توفاه الله أيضاً، وتركها وحيدة تصارع أمواج الحياة وتحدياتها؛ فكان الحل الوحيد - بحسب قولها - في ذلك الوقت أن تصمد وتقوِّي شوكتها، وتصبح الأم والأب لأبنائها، وألا تضعف أو تنهار، مشيرة إلى أنها اختارت أن تكون الأقوى والأشجع.

وتؤكد وفاء أنها شعرت بالفخر والسعادة، وأن تربيتها لأبنائها لم تذهب سدى؛ عندما فاجأها القدر باكتشاف مرضها بسرطان الثدي عام 2018، وبدلاً من أن يصيبها الخوف والجزع على أبنائها، كانوا هم مصدر الدعم والسند لها في محنتها، مثلما كانت هي الأم والأب لهم طوال سنوات شبابها.

وتلفت إلى أن الله أمدها بالصبر والجلد؛ عندما شُخِّص مرضها، وكانت ترى أن محنتها عقبة في طريقها، وكانت على يقين بأنها ستتخطاها، مثلما فعلت مع الكثير من المحن والمآسي التي مرت بها بعد وفاة زوجها، ثم والدها.

وتضيف وفاء أنها، بعد إجراء عملية استئصال الثدي، لم تشعر أبداً بآلام جرعات «الكيماوي»؛ بسبب أبنائها الذين لم يتركوها، وكانوا دائماً يشجعونها، ويقولون: «اعتدناكِ يا أمي قوية؛ فلتثبتي على ما أنت فيه، إنها محنة وستزول قريباً».

وتقول إن «تلك الكلمات كانت نبراساً، أضاء لي درباً مظلماً من الألم والمعاناة»، موضحة أنها علمت بمرضها يوم تخرج ابنتها في الجامعة، فاختلطت مشاعر الحزن داخلها بالفرح.. وفي تلك اللحظة قررت أن تكون الأقوى، وتنتصر في معركتها مع المرض.

الجراحة التجميلية

وعن جراحات ترميم سرطان الثدي، يقول الدكتور إدي حران، جراح التجميل في مستشفى دانة الإمارات بأبوظبي، إن جراحة بناء وترميم الثدي شهدت تطوراً كبيراً، خلال السنوات العشر الماضية، بحيث أصبحت تتم بعد عملية استئصال الثدي مباشرة في بعض الحالات، وعادةً تكون عملية الاستئصال إما جزئية، بحيث يتم استئصال جزء من الثدي، أو استئصال الثدي كاملاً، وفي جميع الحالات لدى أطباء التجميل خيارات تجميلية عدة، لترميم وبناء الثدي، وفق كل حالة مرضية.

وأضاف أن الشائع في عمليات الترميم، والذي تفضله سيدات كثيرات هو استخدام حشوات السيليكون وزراعتها، ووضع ممددات للجلد قبل الحشوة النهائية، مع مراعاة التماثل مع الثدي الآخر، وفي حالات أخرى تتم الاستعاضة بأنسجة وخلايا ودهون من الجسم وزراعتها في منطقة الثدي، وفي بعض الحالات قد يحتاج الأمر إلى الطريقتين؛ للوصول إلى الحجم المطلوب. ويلفت إلى أن بعض هذه العمليات تتم على مراحل، قد تستغرق من 6 أشهر إلى سنة كاملة؛ للوصول إلى الشكل الطبيعي للثدي.

  • الدكتور إدي حران: لدى أطباء التجميل خيارات عدة لترميم وبناء الثدي.

وأضاف حران أنه بعد عملية الاستئصال، يكون لدى المريضة خياران لعملية التجميل: الأول هو إجراء العملية بصورة مباشرة، بحيث يوجد جراح التجميل أثناء عملية استئصال الثدي ليبدأ عملية أخرى للبناء والترميم، وغالباً تتم هذه الجراحة في حالة الاستئصال الجزئي. الثاني هو إجراء الجراحة التجميلية بعد عملية الاستئصال بفترة، خاصة إذا كانت الحالة مرتبطة بمضاعفات، أو قد تحتاج إلى العلاج الإشعاعي مرة أخرى، حيث يتم الاتفاق - عادة - بين طبيب الأورام وطبيب الثدي والجراح على خطة العلاج المثلى للمريضة، بحسب الحالة الطبية، والموعد المناسب لإجراء الجراحة الترميمية.

الجانب النفسي

من جانبها، تقول الدكتورة رشا عباس، استشارية الطب النفسي في شبكة مراكز هيلث بلاس التخصصية، إن الاستئصال لا يقتصر تأثيره على الصحة الجسدية فقط، بل يمتد ليطال الصحة النفسية والعاطفية للمريضة، وفي هذه الحالة تحتاج إلى الدعم والعلاج النفسي من الطبيب المعالج، ومن الأسرة والمحيطين بها. وتنصح أفراد الأسرة بأن يكونوا بجانب المريضة، وألا يظهروا مشاعر الفزع أمامها، بل بأن يتحلوا بالصبر والأمل ليمدوها بالقوة، حيث إن الحالة النفسية الإيجابية للمريضة تسهم في رفع نسب نجاح العلاج.

وتوضح أنه بمجرد تشخيص المرض؛ تشعر السيدة بحالة من القلق والحزن والخوف من المجهول، وهذه مشاعر طبيعية ومتوقعة، ويجب أن تصرح بها المريضة وألا تكتمها، إلى أن تتعزز ثقتها بنفسها وطريقة العلاج، خاصة في حالات الكشف المبكر، التي تكون نسب النجاح في علاجها عالية.