بدأت جائحة «كورونا»، وانتبه العالم إلى حالة الفزع التي عشناها منذ سنة ونصف السنة تقريباً، واختبأ كل البشر داخل بيوتهم؛ بحثاً عن الأمان من هذا «الفيروس». وحينما كنت أنظر إلى الحياة من وراء زجاج العزلة، وأرى الشوارع فارغة من البشر والتواصل المباشر، كنت أتساءل: متى ستنتهي تلك «الجائحة»؟ ولا تأتيني رؤية واضحة حول الإجابة، لكن ظلت الثقة بأن العقل البشري سيجد طريقاً ما للسيطرة على تلك «الجائحة»، وهنا تكمن قيمة العقل والبحث العلمي وراء فك الألغاز التي تمر بتاريخ البشرية.

ولم يخيب العقل البشري الظن، واستطاع أن يمسك بلجام «الجائحة»، ويبدأ في ترويضها والسيطرة عليها؛ فاكتشف العلماء حول العالم العديد من اللقاحات، التي استطاعت أن تقاوم «الفيروس»، ولايزال العلم يبحث عن المزيد من السيطرة، وتحويل فيروس «كورونا» إلى مجرد ضيف مثل الإنفلونزا، قد يزورنا لأيام، ثم يمضي دون آثار أو فَقْدٍ، ليس لضعفه، لكن لقوة الحماية التي صنعها العقل البشري بالعلم.

العالم عمره موغل في القدم لملايين السنين، وعاش عليه ملايين المخلوقات، منها ما انقرض وأصبح مجرد حفريات ودراسات في الكتب الأكاديمية، ومنها ما لايزال باقياً، يسهم في المنظومة الحيوية للأرض. وظلت الأرض على حالتها لتلك الملايين من السنين دون حضارة، حتى ظهر الإنسان العاقل قبل آلاف السنين، الذي استطاع - بقدرته على التخيل - أن يصنع ما يحتاجه من أدوات، وبدأت الحضارات البشرية تتطور وتنمو وتتعدد، وبسط الإنسان العاقل سيطرته على الحياة. وفي سنوات لا تتعدى العشرة آلاف عام، أنشأ الإنسان العاقل المدن والقرى، وعرف الاستقرار والزراعة، وصنع حضارة بشرية تطورت تطوراً كبيراً لم يشهده الكون على مدار ملايين السنين، كل ذلك معتمداً على قدرة الإنسان على التفكير، ومنح العقل الحرية في الإبداع والتصور، وخلق الخيالات التي حولها إلى واقع يغير شكل الحياة. 

إقرأ أيضاً:  فاطمة هلال رئيس التحرير بالإنابة تكتب: الإبداع
 

وخلال السنوات الأخيرة، تطورت المعرفة، وتراكمت وتطورت التكنولوجيا والعلوم بتسارع غير مسبوق، اعتماداً على اتساع أفق العقل البشري، واتسع طموح الخيال، وتنامت قدرة تحويله إلى واقع؛ فأصبح التراكم المعرفي متزايداً كل يوم، بل كل ثانية، وتغير شكل الحياة في الكثير من مفرداتها.

كل ذلك يدفعنا إلى أن نُقر بمنح الإنسان حريته في استخدام عقله منذ طفولته، وبألا نصادر على خيالات أطفالنا وأحلامهم، مهما كانت غير منطقية؛ فكل ما نحن فيه الآن كان يوماً ما غير منطقي وجنوناً، لكنه مع طاقة العقل صار واقعاً. 

امنحوا العقل حريته في أن يتخيل ويحلم، ولا تطوقوه وتخنقوه وتحبطوه وتكبلوه، تارة بالعجز وتارة بخضوعه للتسليم المقدس بما لا نفهمه، وتارة أخرى بقواعد التحريم الديني.. ربوا أطفالكم على تقدير قيمة العقل والتفكير والتخيل والحلم والإيجابية في البحث عن المعرفة والعلم، من أجل إيجاد آليات تحقيق تلك الخيالات، وتفسير كل ما يقف العقل أمامه حائراً.