تمضي‭ ‬السنوات،‭ ‬وتستمر‭ ‬رحلة‭ ‬الأزمنة‭.. ‬من‭ ‬يسكنون‭ ‬الأماكن‭ ‬اليوم‭ ‬سيرحلون،‭ ‬وسيتركون‭ ‬وراءهم‭ ‬ميراثاً‭ ‬من‭ ‬الخبرات‭ ‬والأحلام‭ ‬لمن‭ ‬يأتون‭ ‬بعدهم؛‭ ‬ليسكنوا‭ ‬تلك‭ ‬الأماكن‭.. ‬يعيد‭ ‬الإنسان‭ ‬تشكيل‭ ‬ملامح‭ ‬تلك‭ ‬الأماكن،‭ ‬تتغير‭ ‬المعطيات،‭ ‬وتتطور‭ ‬الأدوات‭.. ‬ويبقى‭ ‬الوطن‭ ‬القيمة‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬كل‭ ‬البشر‭.. ‬فالوطن‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬جغرافيا‭ ‬تحتوي‭ ‬البشر،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬الهوية‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بينهم،‭ ‬فمهما‭ ‬رحل‭ ‬أهل‭ ‬الوطن‭ ‬خارج‭ ‬حدوده،‭ ‬تظل‭ ‬تربطهم‭ ‬تلك‭ ‬الهوية‭ ‬كخيط‭ ‬حريري‭ ‬شفاف،‭ ‬ايضفّرب‭ ‬الأرواح‭ ‬معاً‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬واحد‭.‬

قبل‭ ‬خمسين‭ ‬عاماً،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬سبع‭ ‬لآلئ‭ ‬تسكن‭ ‬ضفاف‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬الذي‭ ‬جلس‭ ‬عليه‭ - ‬يوماً‭ - ‬رجل‭ ‬أصيل،‭ ‬يحلم‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬تلك‭ ‬اللآلئ‭ ‬السبع‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬فريد،‭ ‬يتوهج‭ ‬بالمحبة‭ ‬والتوحد‭ ‬تحت‭ ‬راية‭ ‬واحدة‭.. ‬عند‭ ‬عتبة‭ ‬الحلم‭ ‬تخطى‭ ‬الرجل‭ ‬الأصيل‭ ‬إلى‭ ‬الواقع،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬ليحدث‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الوحدات‭ ‬الجغرافية‭ ‬السبع‭ ‬وأهلها‭ ‬يترابطون‭ ‬بهوية‭ ‬واحدة،‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬الرابط‭ ‬الحقيقي،‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬اللآلئ‭ ‬السبع‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬آل‭ ‬نهيان،‭ ‬وإخوانه‭ ‬حكام‭ ‬الإمارات‭.‬

وكل‭ ‬يوم‭ ‬مرَّ‭ ‬منذ‭ ‬التوحد،‭ ‬كان‭ ‬ينمو‭ ‬الحلم‭ ‬ويكبر،‭ ‬وصارت‭ ‬الإمارات‭ ‬حضارة‭ ‬حديثة،‭ ‬تغيرت‭ ‬فيها‭ ‬المعالم،‭ ‬وتوهجت‭ ‬عقول‭ ‬أبنائها‭ ‬بالعلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬والعمل،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قيادة‭ ‬محبة‭ ‬لوطنها‭ ‬وشعبها،‭ ‬وعلى‭ ‬مدار‭ ‬خمسين‭ ‬عاماً‭ ‬تحول‭ ‬الحلم‭ ‬إلى‭ ‬سحابة‭ ‬أمطرت‭ ‬الخير‭ ‬والنماء؛‭ ‬فنبتت‭ ‬الصحراء‭ ‬بالعمران،‭ ‬وظلت‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬والمحبة‭ ‬تروي‭ ‬تلك‭ ‬الهوية‭ ‬التي‭ ‬اضفّرتب‭ ‬اللآلئ‭ ‬السبع‭.‬

نقف،‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الخمسين‭ ‬عاماً‭ ‬الثانية،‭ ‬أمام‭ ‬ذكرى‭ ‬مَنْ‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬عالمنا،‭ ‬خاصة‭ ‬الآباء‭ ‬المؤسسين،‭ ‬ونحن‭ ‬نفتخر‭ ‬بأننا‭ ‬أبناؤهم،‭ ‬ونرسل‭ ‬إلى‭ ‬أرواحهم‭ ‬الطيبة‭ ‬والخالدة‭ ‬رسالة‭ ‬بأنكم‭ ‬وإن‭ ‬رحلتم‭ ‬فقد‭ ‬تركتم‭ ‬لنا‭ ‬ميراثاً‭ ‬من‭ ‬المحبة‭ ‬والإيمان‭ ‬والعزيمة،‭ ‬وسنكمل‭ ‬رحلتكم‭ ‬نحو‭ ‬المستقبل،‭ ‬وما‭ ‬خذلناكم‭ ‬يوماً،‭ ‬وكنا‭ - ‬نحن‭ ‬أبناءكم‭ - ‬عند‭ ‬حسن‭ ‬ظنكم‭ ‬بنا،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬الوطن‭ ‬عالياً‭ ‬يتصدر‭ ‬المشهد‭ ‬عالمياً‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬الحياتية‭ ‬بالعلم،‭ ‬والمعرفة،‭ ‬وبغرسكم‭ ‬القِيَمي‭ ‬والأخلاقي‭.‬

انتهت‭ ‬الاحتفالات،‭ ‬وانطفأت‭ ‬أنوارها،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬تنطفئ‭ ‬فينا‭ ‬جذوة‭ ‬الحلم‭ ‬الذي‭ ‬يتجدد‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬ويتغير‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬تطور،‭ ‬ويواكب‭ ‬الحداثة،‭ ‬وتحولات‭ ‬المعرفة‭ ‬والتكنولوجيا‭.. ‬جذوة‭ ‬الحلم‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أمانة‭ ‬نحملها‭ ‬عمن‭ ‬رحلوا‭ ‬عن‭ ‬عالمنا،‭ ‬وبعد‭ ‬خمسين‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬سنكون‭ ‬نحن‭ ‬قد‭ ‬رحلنا،‭ ‬وسنتحول‭ ‬إلى‭ ‬صور‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬الذاكرة،‭ ‬ويأتي‭ ‬بعدنا‭ ‬من‭ ‬يحملون‭ ‬عنا‭ ‬وهج‭ ‬اللآلئ‭ ‬السبع‭ ‬في‭ ‬عيونهم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نسلمهم‭ ‬الرسالة‭ ‬الممتدة؛‭ ‬ليتحقق‭ ‬بهم‭ ‬حلم‭ ‬قيادتنا‭ ‬في‭ ‬ريادة‭ ‬عالمية‭ ‬حقيقية‭ ‬مع‭ ‬احتفالات‭ ‬2071‭.‬

إنها‭ ‬رسالة‭ ‬عابرة‭ ‬للزمن‭ ‬لمن‭ ‬يضيئون‭ ‬أنوار‭ ‬الاحتفال‭ ‬بعد‭ ‬خمسين‭ ‬عاماً‭: ‬لقد‭ ‬كنا‭ ‬عند‭ ‬ظن‭ ‬آبائنا‭ ‬بنا؛‭ ‬فكونوا‭ ‬عند‭ ‬ظننا‭ ‬بكم‭.. ‬الوطن‭ ‬والهوية‭ ‬أمانة‭ ‬باقية،‭ ‬رحل‭ ‬قبلنا‭ ‬مَنْ‭ ‬رحل،‭ ‬ونحن‭ ‬سنرحل،‭ ‬وأنتم‭ ‬أيضاً‭ ‬سترحلون،‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬الباقي‭ ‬هو‭ ‬الوطن‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭.‬