متى‭ ‬تبدلت‭ ‬الخريطة؟‭! ‬مَنْ‭ ‬فعلها؟‭!‬

هنا‭ ‬كان‭ ‬نهر‭!‬

نهر‭ ‬ضاحك‭.. ‬دوماً‭ ‬كان‭ ‬ضاحكاً،‭ ‬وهو‭ ‬يراقب‭ ‬ركضي‭ ‬اللاهث‭ ‬خلفك‭ ‬حتى‭ ‬أمسكك‭ - ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬يُخَيَّلُ‭ ‬إليَّ‭ - ‬فنسقط‭ ‬معاً‭ ‬على‭ ‬ضفته‭ ‬الخضراء‭ ‬ضاحكيْن،‭ ‬وقد‭ ‬تشابكت‭ ‬دقات‭ ‬قلبَيْنا‭ ‬قبل‭ ‬كفَّيْنا‭.. ‬قاربٌ‭ ‬مجنون‭ ‬سقناه‭ ‬فيه‭ ‬بمجداف‭ ‬واحد‭.. ‬سماء‭ ‬ماكرة‭ ‬كانت‭ ‬تلقي‭ ‬لنا‭ ‬غمزات‭ ‬غيومها‭ ‬العابثة،‭ ‬كأنها‭ ‬تهتف‭: ‬‮«‬رأيتكما‭!‬‮»‬؛‭ ‬فنبتسم‭ ‬من‭ ‬قلبَيْنا‭ ‬خجلاً‭.. ‬من‭ ‬ذا‭ ‬الذي‭ ‬ردَم‭ ‬النهر،‭ ‬وكسر‭ ‬القارب،‭ ‬ورسم‭ ‬عبوس‭ ‬السماء؟‭! ‬

هنا‭ ‬كان‭ ‬بحر‭!‬

بحر‭ ‬آمن‭.. ‬دوماً‭ ‬كان‭ ‬آمناً‭ ‬مهما‭ ‬اشتد‭ ‬زئير‭ ‬موجه‭.. ‬زجاجاتنا‭ ‬الحاضنة‭ ‬في‭ ‬رحلتها‭ ‬لرسائلنا‭ ‬الورقية‭ - ‬عبر‭ ‬فيضه‭ ‬الرائق‭ - ‬كانت‭ ‬تنتظر‭ ‬البر‭ ‬الآمن؛‭ ‬كي‭ ‬تزيح‭ ‬سدادتها،‭ ‬وتسكب‭ ‬حروفها‭ ‬أمام‭ ‬عين‭ ‬عاشقة‭.. ‬من‭ ‬ذا‭ ‬الذي‭ ‬جفف‭ ‬ماءه،‭ ‬وكسر‭ ‬زجاجاتنا،‭ ‬وأغرق‭ ‬رسائلنا؟‭! ‬

هنا‭ ‬كان‭ ‬جبل‭.. ‬بل‭ ‬سلسلة‭ ‬جبال‭!‬

كل‭ ‬حلم‭ ‬لنا‭ ‬معاً،‭ ‬كان‭ ‬يعانق‭ ‬قمة‭ ‬منها‭.. ‬يجيد‭ ‬تسلقها‭.. ‬مغازلتها‭.. ‬التشبث‭ ‬بها‭.. ‬من‭ ‬قمة‭ ‬إلى‭ ‬قمة‭ ‬كنا‭ ‬نتقافز‭ ‬مرحاً‭.. ‬من‭ ‬ذا‭ ‬الذي‭ ‬نسف‭ ‬الجبال،‭ ‬وأحرق‭ ‬الحبال،‭ ‬وتركنا‭ ‬نهوي‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬دون‭ ‬راحة‭ ‬نجاة‭ ‬أو‭ ‬ارتطام؟‭! ‬

هنا‭ ‬كانت‭ ‬غابة‭!‬

غابة‭ ‬موحشة،‭ ‬طالما‭ ‬خفتها،‭ ‬لكنك‭ ‬أمسكت‭ ‬يدي‭.. ‬عبرت‭ ‬بي‭ ‬وسط‭ ‬طرقاتها‭ ‬المتشابكة‭.. ‬رسمت‭ ‬لي‭ ‬طريق‭ ‬الرجوع‭.. ‬وعندما‭ ‬كان‭ ‬يفزعني‭ ‬صوت‭ ‬الوحوش؛‭ ‬كنت‭ ‬تفرش‭ ‬لي‭ ‬خيمة‭ ‬بين‭ ‬جفنيك،‭ ‬وتسدل‭ ‬فوقي‭ ‬رموشك؛‭ ‬فتنساب‭ ‬الترانيم،‭ ‬ويهرب‭ ‬الخوف‭.. ‬من‭ ‬ذا‭ ‬الذي‭ ‬أحرق‭ ‬الغابات،‭ ‬وأخرس‭ ‬الترانيم،‭ ‬ورفع‭ ‬سدل‭ ‬أستاري؟‭! ‬

هنا‭ ‬كان‭ ‬الوادي‭.. ‬حيث‭ ‬قوافل‭ ‬العشق‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬سوى‭ ‬طريق‭ ‬واحد‭ ‬بين‭ ‬قبيلتَيْنا‭.. ‬فمن‭ ‬ذا‭ ‬الذي‭ ‬قطع‭ ‬عليها‭ ‬الطريق؟‭!‬

من‭ ‬غيّر‭ ‬الخريطة؟‭! ‬من‭ ‬بعثر‭ ‬المدن‭ ‬وحرّف‭ ‬أسماءها؟‭! ‬أين‭ ‬العاصمة؟‭! ‬أين‭ ‬العاصمة؟‭! ‬

هنا‭.. ‬هنا‭ ‬العاصمة‭.. ‬هنا‭ ‬حيث‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬دوماً‭ ‬الحكاية‭.. ‬هنا‭ ‬حيث‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أبحث‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬أتوه‭.. ‬هنا‭ ‬حيث‭ ‬قلبي‭! ‬

قلب‭ ‬لن‭ ‬‮«‬تدوّخه‮»‬‭ ‬دوامات‭ ‬فَقْدٍ،‭ ‬ولن‭ ‬يترنح‭ ‬تحت‭ ‬ضربة‭ ‬وجع‭! ‬قلب‭ ‬لن‭ ‬يخنقه‭ ‬ضيق‭ ‬أرض‭ ‬مادامت‭ ‬تتسع‭ ‬السماء‭.. ‬قلب‭ ‬طالما‭ ‬أجاد‭ ‬غَزْل‭ ‬شوك‭ ‬الهزيمة؛‭ ‬ليحيله‭ ‬حرير‭ ‬شوك‭.. ‬قلب‭ ‬لن‭ ‬ينتظر‭ ‬الظروف،‭ ‬بل‭ ‬سيصنعها‭.‬

هاهو‭ ‬ذا‭ ‬قلمي‭ ‬في‭ ‬يدي،‭ ‬وخريطتي‭ ‬أمام‭ ‬عيني‭.. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬القلب‭ ‬نفسه‭ ‬سيمسك‭ ‬القلم؛‭ ‬ليعيد‭ ‬رسم‭ ‬خارطته‭.. ‬ليعيد‭ ‬شق‭ ‬نهر‭ ‬وبحر‭.. ‬يرفع‭ ‬جبلاً،‭ ‬ويخفض‭ ‬وادياً،‭ ‬ويزرع‭ - ‬من‭ ‬جديد‭ - ‬غابات‭ ‬تتسع‭ ‬لترانيم‭ ‬الأمل‭.. ‬فليعيدوا‭ ‬بعثرة‭ ‬المدن‭ ‬كيفما‭ ‬شاؤوا‭.. ‬لن‭ ‬تتبدل‭ ‬خريطة‭ ‬تعرف‭ ‬دوماً‭ ‬أين‭ ‬العاصمة‭.‬