أكد الدكتور إسلام دبابسة أهمية الاهتمام بموضوع العلاج بالخلايا الجذعية كونها مستقبل الطب، ويعتبر استخدام الخلايا الجذعية في العلاج تقنية جديدة نسبياً، لكنها أثبتت جدارتها ودقتها في علاج مختلف الأمراض، على اختلاف أماكنها في الجسم، إذ يعود سبب فاعلية الخلايا الجذعية في العلاج الى تعدد وظائف تلك الخلايا، وتفاعلها السليم مع أنسجة وخلايا العضو المضيف بسبب إفرازها بعض المواد النشطة، والتي تنظم عمل الخلية، مثل: السيتوكينات، وغيرها من المنظمات الخلوية، كما تقوم هذه المواد على تطوير الأوعية الدموية، بالإضافة إلى ذلك تمتلك هذه الخلايا من الخصائص ما يجعلها العلاج الأنسب، إذ إنها قادرة على مقاومة الميكروبات، ومسببات الالتهاب، كما أنها تمتلك القدرة العالية على التجدد، ما يحسّن أداء العضو المراد علاجه بشكل ملحوظ، والجدير بالذكر أنه يمكن تجهيز هذه الخلايا وتطويرها في المختبر قبل إدخالها في الجسم المضيف ما يزيد دقة الحصول على النتائج المطلوبة.

  • الدكتور إسلام دبابسة

نوعان رئيسيان

يعرف د. إسلام دبابسة، أخصائي العلاج بالخلايا الجذعية ورئيس الأطباء والمدير التنفيذي لمجموعة "إي.دي.كلينك" في أوكرانيا، الخلايا الجذعية بأنها الخلية الأم (Mother cell) في الجسم، والتي منها تتطور وتتمايز جميع الخلايا المتخصصة الأخرى، إذ تنقسم هذه الخلايا لتكوين خلايا الجيل الأول (Daughter cells)، التي بدورها إمّا أن تنقسم لإنتاج خلايا جذعيّة جديدة، أو أن تتمايز إلى خلايا متخصصة كخلايا الدم، وخلايا الدماغ، وخلايا عضلة القلب، أو خلايا نخاع العظم، مع الملاحظة أنه لا توجد خلية أخرى في الجسم لديها القدرة الطبيعية على توليد أنواع خلايا أخرى (التمايز)، وذلك تبعاً لأبحاث قام بها كل من علماء الخلايا Bajada S وRichardson JB.

أما عن أنواع الخلايا الجذعية، فيقول د. دبابسة أنها تنقسم إلى نوعين رئيسيين:

الخلايا الجذعية الجنينية (ESCs): وهو النوع الوحيد من الخلايا الجذعية، الذي يعتبر مثاراً للخلاف العلمي، وتنشأ الخلايا الجذعية الجنينية من الكيسة الأريمية.

الخلايا الجذعية البالغة (ASCs): توجد هذه الخلايا في معظم أنسجة الجسم، ولكن بأعداد قليلة وبمقارنتها بالخلايا الجذعية الجنينية تعتبر محدودة القدرة على التمايز، ولكن مع ذلك ورغم اعتقاد العلماء أنّ الخلايا الجذعية البالغة قادرة فقط على إنتاج خلايا مطابقة لخلايا النسيج الذي أخذت منه، إلّا أن التجارب أثبتت أنّ الخلايا الجذعية البالغة قادرة على إنشاء أنواع مختلفة من الخلايا (خلايا نخاع العظم قادرة على إنتاج خلايا عضلة القلب على سبيل المثال). ومن الجدير بالذكر أن العلماء قد استطاعوا تحويل بعض الخلايا العادية إلى جذعية (خلايا جذعية محفزة)، وذلك عن طريق إعادة برمجة الجينات (خلايا الأنسجة الضامة العادية، قد يعاد برمجة جيناتها لتصبح خلايا القلب). واكتشف العلماء وجود خلايا جذعية في السائل السلوي (السائل المحيط بالجنين والذي يحميه)، بالإضافة إلى خلايا جذعية في الحبل السري، وكغيرها من الخلايا الجذعية تمتلك هذه الخلايا القدرة على أن تصبح خلايا متخصصة.

ويضيف: يمكن تقسيم الوظائف التي تقوم بها الخلية الجذعية (حسب نوعها) إلى خمس مجموعات:

1. استبدال وإصلاح الخلايا الميتة.

2. تحفيز نمو الخلايا الخاملة.

3. إفراز المواد البيولوجية التي تحتاجها الخلية، مثل الإنزيمات، والتي تحتاجها الخلية لتكسير المركبات الغذائية المعقدة إلى أخرى بسيطة يسهل امتصاصها، والبروتينات الضرورية لبناء الخلايا، وتعويض الأنسجة التالفة.

4. المحافظة على مناعة الجسم (تكوين الأجسام المضادة).

5. علاج الجروح وآثارها والشيخوخة.

بينت الدراسات العلمية فاعلية استخدام الخلايا الجذعية في علاج الجروح، إذ إنّ استخدامها يزيد سرعة التئام الجرح (جروح ما بعد الولادة القيصرية على سبيل المثال)، كما أوضحت التجارب الفرق الواضح في النتائج المرئية (الجمالية) بين الالتئام الطبيعي، والالتئام باستخدام الخلايا الجذعية. 

ويتم العلاج بطريقتين، إمّا الحقن المباشر للخلايا في مكان الجرح، مع إضافة عوامل بيولوجية لتنشيطها (غاما إنترفيرون)، أو الحقن غير المباشر (داخل الدورة الدموية).

أما في ما يتعلق بالشيخوخة، فقد أثبتت الخلايا الجذعية جدارتها في تجديد الأوعية الدموية، وعمليات الأيض كما تم تطوير الأقنعة والحقن التجميلية، التي تحفز على إنتاج الكولاجين.

علاج العظام والمفاصل باستخدام الخلايا الجذعية

تستخدم الخلايا الجذعية بشكل واسع في جراحة العظام والتهاب المفاصل، وتكمن فاعليتها في أن الخلايا الجذعية تفرز مضادات الالتهاب، كما تقوم بإفراز مواد تعزز بناء العظام والحفاظ على البوتاسيوم داخل العظم، ويتم علاج مشاكل العظام والغضاريف على مرحلتين:

● مرحلة التأهيل باستخدام الموجات التصادمية، وذلك لتحفيز الخلايا الموجودة فعلياً داخل العظم.

● مرحلة التجديد، وتكمن في حقن الخلايا الجذعية (خلايا متخصصة بالغضاريف، وخلايا متعددة الوظائف، ويتم حقنها داخل الوريد، كما نقوم بحقن خلايا من المريض نفسه، تؤخذ من الدم أو الدهن).

علاج مشاكل الجهاز العصبي باستخدام الخلايا الجذعية

بما أن الخلايا العصبية لها القدرة على التمايز للخلايا العصبية، جرت التجارب لاستخدامها في علاج الأمراض العصبية، مثل مرض التصلب الضموري (مرض يصيب الجهاز العصبي مسبباً إعاقة حركية للمريض)، والصدمات العصبية والتوحد، ويتم علاج هذه المشاكل باستخدام الخلايا الجذعية الجنينية، والتي أظهرت فاعليتها في تحسين وصول الدم والمواد الغذائية للدماغ.

علاج مرض السكري باستخدام الخلايا الجذعية

يتم إفراز الأنسولين في خلايا بيتا في البنكرياس، ومع نقص الخلايا المنتجة للأنسولين عند مرضى السكري، تمّ القيام بدراسات ومحاولات حول العالم لإنتاج البنكرياس أو خلايا بيتا تعمل داخل الجسم بشكل مستمر ودون توقف كما أنّ هناك طريقتين لزراعة خلايا بيتا: إمّا عن طريق الوريد، أو من خلال الزراعة الموضعية، وذلك لإزالة الحاجة إلى حقن الإنسولين، لكن المشكلة هي أن خلايا البنكرياس نادرة، وغالباً يتم رفضها من قبل الجسم بعد الزرع. لذلك، تم السعي لاستخدام الخلايا الجذعية الجنينية كوسيلة لإنتاج خلايا بيتا.

علاج السرطانات باستخدام الخلايا الجذعية

في السنوات الأخيرة، يحاول العلماء استخدام زراعة الخلايا الجذعية الدموية، أو ما يسمى "هيماتو بوتيك" لعلاج السرطان وأمراض الدم الأخرى، إذ لوحظ أن هذه الخلايا قادرة على إنتاج خلايا الأوعية الدموية والعضلات، وفي دراسات تم تطبيقها على الحيوانات، تم الحصول على نتائج مرضية ولكن يواجه العلماء مشاكل في عدم تقبل الجسم لهذه الخلايا، مع العلم بأنّه تم استخدامها على الإنسان.

علاج أمراض الرئة باستخدام الخلايا الجذعية

تمتلك الخلايا الجذعية القدرة على الانتقال والتحرك إلى مكان الالتهاب، أو الضرر في الجسم، وفي حال تم حقن الخلايا الجذعية في أوردة المصابين بأمراض التليف الرئوي، والالتهاب الرئوي الحاد، فإنّ هذه الخلايا تنتقل إلى مكان الالتهاب، أو التليف (ترسيب الكولاجين)، وتقوم بإفراز السيتوكينات (مضادات الالتهاب)، وبعد العلاج لوحظ تراجع واضح للالتهاب، كما انخفضت نسبة ترسيب الكولاجينن بالإضافة إلى انخفاض نفاذية الشعيرات الدموية، وهو من أكثر المشاكل الشائعة التي تواجه مرضى الرئة.

علاج مشاكل العقم باستخدام الخلايا الجذعية

بدأت الأبحاث بخصوص إيجاد حل جذري لمشكلة العقم، حيث يعتبر استخدام الخلايا الجذعية في علاج العقم أفضل طرق العلاج المتاحة حالياً، عند الرجال وتتم زراعة الخلايا المعدلة جينياً داخل الخصية وفي بعض الحالات تتم إضافة الخلايا الجذعية القادرة على تنشيط الحيوانات المنوية لتمكنها من الإخصاب، وفي حالات أخرى يتم أخذ الحيوانات المنوية وتعديلها جينياً داخل المختبر، ثم حقنها داخل البويضة. أمّا في ما يتعلق بالنساء فالمشكلة الأساسية تكمن في مشاكل المبيض مع تقدم العمر، وتتم تهيئة الخلايا الجذعية المبيضية في المختبر، وذلك لإنتاج البويضات، ويمكن حقن الخلايا الجذعية مباشرة داخل المبيض لتحفيزه واستعادة مستويات الإباضة والهرمونات الطبيعية، بالإضافة إلى ذلك أثبتت التجارب أنّ الخلايا الجذعية من الحبل السرّي والسائل السلوي قادرة على التمايز إلى الخلايا الحبيبية (وهي من أنواع خلايا الدم البيضاء)، التي تحافظ على استقرار المبيض.

في الواقع إنّ مستقبل الطب يكمن في استخدام الخلايا الجذعية، فمن المتوقع أن تستخدم في علاج جميع أمراض العصر، وهي الطريقة الأسلم.