تماماً كما تركوا لنا عشرات الأعمال الفنية، التي نلجأ إليها حتى اليوم؛ هرباً من واقع فني منحدر، تركوا لنا أيضاً قصص عشق وحكايات حب خالدة ومؤثرة، نسميهم عمالقة الفن العربي، وهم في الحقيقة عمالقة في كل شيء. فحتى على مستوى حياتهم الشخصية، من يقرأ أو يشاهد السيرة الشخصية لكل واحد من هؤلاء العمالقة؛ يدرك كم كانت حياتهم عاصفة ومليئة بالمتغيرات الإيجابية والسلبية على المستويات كافة. في هذا التحقيق، نسلط الضوء على 5 حكايات سجلها التاريخ للأجيال التالية. 

  • فيروز.

اللقاء الأول 

لا يعرف عن صوت لبنان الأشهر، المطربة فيروز، إلا علاقتها الوحيدة مع زوجها عاصي الرحباني، حيث كان اللقاء الأول بينهما - داخل أروقة الإذاعة اللبنانية - من أجمل اللحظات التي مرت على الاثنين، فحينها كان عاصي ملحناً مبتدئاً، يعزف على الكمان، وهي فنانة معروفة.

لم تُمْحَ صورتها من مخيلته، وظل صوتها يداعب أذنيه، حتى جاء اللقاء الثاني، وذلك بعد أن طلب منه حليم الرومي، الذي كان يتقلد منصب رئيس القسم الموسيقي في الإذاعة آنذاك، تلحين عدد من الأغنيات لها. ومن هنا، بدأت العلاقة تنمو بينهما عاطفياً وفنياً، ليعلنا زواجهما عام 1955، والذي أثمر أولادهما الأربعة: «زياد، وهالي، وليال، وريما». 

عمل عاصي على موهبة فيروز، وجعل منها أيقونة في العالمين العربي والغربي، وأول أغنية رحبانية لفيروز كانت بعنوان «غروب»، وهي قصيدة للشاعر قبلان مكرزل، تبعتها سلسلة طويلة من الأغاني، واللوحات الغنائية، وتمكنت فيروز وعاصي من حفر اسميهما بأحرف من نور في عالم الفن، فأطربت الأولى بصوتها الرائع حتى كونت قاعدة جماهيرية كبيرة، وأطرب الأخير الجمهور بألحانه ومؤلفاته ومقطوعاته الموسيقية. 

وفي منتصف السبعينات، حدث شرخ في العلاقة بينهما، وصل إلى الانفصال عام 1978، وعاش عاصي ما تبقى من عمره مريضاً، إلى أن رحل في 1986، وقالت عنه فيروز بعد رحيله: «عاصي كان سريع العطاء، وكنت سريعة التلقي، كان سريع الغضب، وكان قاسياً، وكنت أتقبل هذه القسوة؛ لأنها في مصلحتي، وكل ما قدمته كان من اختيار عاصي، وليس من اختياري أنا، كنت أخاف من عاصي، ولم أقدر على رفض ألحانه.. رغم كل ذلك كنت أحبه». 

  • صباح.

10 زيجات

لم تدخل الفنانة اللبنانية الراحلة، صباح، التاريخ بسبب أعمالها الفنية المتنوعة غنائياً وسينمائياً وحسب، وإنما أيضاً بسبب زيجاتها المتعددة، التي وصلت إلى نحو 10 زيجات، وتنوعت جنسيات أزواجها.. كما تنوعت وظائفهم.

أول زوج لصباح كان من خارج الوسط الفني، حينما اقترنت بلبناني يدعى نجيب شماس، وهي لاتزال في الثامنة عشرة من عمرها، وأنجبت منه ابنها البكر صباح، الذي يعمل طبيباً، كما اقترنت صباح بالموسيقار المصري أحمد منسي لأربعة أعوام، وأنجبت منه ابنتهما هويدا. ثم تزوجت من الإذاعي المصري أحمد فراج، بعد أن التقته خلال تصوير فيلمها «امرأة وثلاثة رجال»، ودام زواجهما نحو 3 أعوام. وفي حياة صباح زوج مصري آخر، هو النجم السينمائي رشدي أباظة، حيث تزوجته خلال وجودهما في بيروت، إلا أنهما لم يستمرا طويلاً بسبب رفض صباح القاطع أن يجمع أباظة بينها وبين زوجته، في ذلك الحين، الراقصة والممثلة المصرية سامية جمال.

كما تزوجت صباح النجم يوسف شعبان لفترة قصيرة، انتهت بالطلاق بعد شهر واحد فقط، وعادت بعد ذلك إلى موطنها لبنان؛ لتتزوج من نائب في البرلمان اللبناني يدعى يوسف حمود، ودام زواجهما عامين، لتتوالى زيجات صباح في لبنان؛ فاقترنت بالفنان اللبناني وسيم طبارة، ودام زواجها منه نحو خمسة أعوام. وأثارت زيجة صباح التالية الكثير من الجدل، وذلك حينما اقترنت بالفنان اللبناني فادي قنطار الشهير بـ«فادي لبنان»، بسبب فارق السن الكبير بينهما، وكانت آخرة زيجات صباح من مصفف الشعر الخاص بها جوزيف غريب، ومن الطريف أن هذه الزيجة جاءت والعروس تبلغ من العمر 85 عاماً.

  • وردة.

«أنا بعشقك».. رسالة حب 

عاش الملحن الكبير «النابغة»، بليغ حمدي، قصّة حب قوية مع الفنانة وردة الجزائرية، توجت بالزواج ليؤسسا معاً ثنائياً إبداعياً راقياً متميزاً في المدوّنة الغنائية العربية، إلا أن هذا الزواج لم يعمّر إلا بضع سنوات، وقالت وردة في أحد اللقاءات الصحافية: «على الرغم من حبي الكبير لبليغ، ونجاحنا في تجاوز العديد من العقبات والأزمات، فإنني لم أستطع تجاوز العقبات معه كزوجة، فقد كان دائم السهر، وتعددت علاقاته العاطفية، التي كنت أعرف بعضها، وأقرأ البعض الآخر منها في الصحف، فكان لا بد من الانفصال»، لكن رغم الانفصال الفني والإنساني بين الحبيبين، فقد أجمع أصدقاء الطليقين على أن جذوة الحب بينهما بقيت في أوجها. 

انفصل الحبيبان، لتشرع وردة في إعادة صياغة مشروعها الفني، بالتوجه إلى ألحان محمد عبدالوهاب، وحلمي بكر، وسيد مكاوي، واختار بليغ حمدي تكريس جهده لاكتشاف الأصوات الفنية الجديدة في ثمانينات القرن الماضي، وعثر على كنز فني شامي بحنجرة ذهبية أصيلة، اسمه ميادة الحناوي. احتضن هذا الصوت؛ ليجعل هذه الحنجرة الاستثنائية بمثابة مذكراته الشخصية، يروي من خلالها بألحانه وكلماته تجربته الإنسانية مع وردة، فكانت الأغنية الخالدة «أنا بعشقك»، التي كتبها ولحنها، وأطلقت عام 1985، رسالة حب وحنين من بليغ إلى وردة، رسالة مشحونة بالعواطف الجيّاشة، والأحاسيس التي يحملها بين أضلعه لوردة الحبيبة، وردة التي عشقها بجنون، وردة التي رغم الانفصال بقيت في وجدانه وكيانه.. شدت ميادة بـ«أنا بعشقك»؛ فكسبت رهان التألق الفني، وكسب بليغ رهان هذا الصوت الأنيق، ورهان التعبير عن حبه الذي لا يندثر لوردة، التي كتب ولحن آخر أغنياتهما «بودعك»، لكن يبقى لأغنية «أنا بعشقك» سحرها الخاص. 

  • أم كلثوم.

«جددت حبك ليه» 

الصوت، الذي يلجأ إليه كل العشاق في مختلف حالاتهم، هو صوت «كوكب الشرق» أم كلثوم، التي غنت الحب بكل أصنافه، لكنها لم تعشه حقيقة إلا مرات قليلة، كما نقل لنا المقربون منها، وعلى الأغلب هما مرتان: الأولى من موسيقي شاب ثري، خاف من نجومية أم كلثوم؛ فهرب منها في اللحظات الأخيرة، والثانية مع شخص لم تفصح عنه أم كلثوم؛ لتعلن جريدة الأهرام، عام 1954، خبر زواج أم كلثوم من الدكتور حسن السيد الحفناوي، الأستاذ المساعد في كلية طب قصر العيني، الذي كان يشرف على حالتها الصحية، واستمر زواجهما حتى رحيلها عام 1975. 

في المقابل، كانت أم كلثوم محبوبة ومعشوقة الكثيرين، حيث عاش الملحن محمد القصبجي حياته محباً لـ«الست»، منذ أن تعرف إليها، ولحن لها «رق الحبيب»، وغيرها، وظل محباً لها حتى آخر حياته. ورغم موهبته الموسيقية الفذة، فإنه ارتضى أن يظل عوّاداً في فرقتها الموسيقية حتى رحل فقط ليكون بقربها، ومن أشهر قصص الحب في حياة أم كلثوم قصة حب الشاعر أحمد رامي لها، وكتابته أكثر من أغنية خصيصاً لها، منها «جددت حبك ليه»، وظل مخلصاً لها حتى إن صورتها كانت في غرفة نومه، رغم زواجه، إضافة إلى «خاتم» ظل محتفظاً به في إصبعه، بعدما أهدته إياه «الست».

وتحدى شريف باشا صبري (خال الملك فاروق، وشقيق الملكة نازلي) عائلته، والأسرة المالكة؛ ليتزوج أم كلثوم، وكانت راغبة في الزواج منه، ورتبا معاً عش الزوجية، لكن لم يتم الزواج بسبب رفض الأسرة، كما تردد - بشكل كبير - أن الكاتب الشهير الراحل مصطفى أمين، تزوج من «كوكب الشرق» سراً، وشاع هذا النبأ بعد قصة حب طويلة جمعت بين الاثنين، حيث كتب لها مصطفى أمين قصة فيلمها «فاطمة».

  • سعاد حسني.

لغز حليم و«السندريلا» 

اشتهر عبدالحليم حافظ بأغنياته الرومانسية، التي اتسمت بشدة الحب الممزوج بالحزن والشجن، خاصة أن حياته كانت مليئة بالتجارب العاطفية، التي انتهت جميعاً بالفشل، ولم تكلل بالزواج وتأسيس عائلة، وألهمت بطلات هذه القصص العاطفية العندليب الأسمر لتقديم العديد من الأغاني الدافئة، حيث يقال إنه غنى «في يوم.. في شهر.. في سنة»، و«بتلوموني ليه»، لحبيبته عايدة أو «فتاة الإسكندرية» شديدة الجمال التي توفيت في حياته. ويروي المقربون من حليم أنه وقع في غرام «فتاة الإسكندرية»، بعد أن التقاها في شاطئ العجمي، ولم يكن يعرفها أحد إلا سائقه الخاص «عبدالفتاح»، الذي كان يأتمنه على جميع أسراره، وأنه بالفعل قد خطبها، لكنّ مرضاً نادراً أودى بحياتها، وهذا ما أحزنه حزناً شديداً عليها. 

وتعددت حكايات الحب في حياة عبدالحليم حافظ، بداية من فتاة القرية وقريبته، التي أحبها في مرحلة المراهقة، وصولاً إلى النجمة زبيدة ثروت، صاحبة الوجه الملائكي، التي شاركته بطولة فيلم «يوم من عمري»، ولم يتزوجها بسبب رفض والدها.

وتظل قصة حب وزواج الراحل عبدالحليم حافظ و«السندريلا» سعاد حسني، لغزاً شغل بال جمهوره الكبير حتى يومنا هذا. وحاول الإعلامي عمرو الليثي حل اللغز، وطرح سؤالاً على الفنان سمير صبري، أثناء استضافته في حلقة من برنامج «واحد من الناس»، هو: هل تزوج عبدالحليم حافظ وسعاد حسني؟ فقال سمير: «لا أستطيع الحسم؛ لأنني لم أرَ بنفسي وثيقة زواج حليم وسعاد، لكن ما رأيته أنه على مدار 3 سنوات، أو أكثر، كانت هناك قصة حب كبيرة جداً وعميقة، وكلها مشاحنات بسبب غيرته الكبيرة عليها». ووصف سمير قصة الحب بين سعاد وحليم بـ«الرهيبة»، مشيراً إلى أنه عرف أنه، خلال زيارتهما إلى المغرب، أوصى الثنائي بشراء غرفة نوم، وكان يقوم على الأمر الفنان يوسف وهبي، وأنه سمع بنفسه مكالمة هاتفية يطلب فيها حليم من وهبي إلغاء فكرة شراء الغرفة، قائلاً: «الغي طلب غرفة النوم يا يوسف بيه.. الموضوع خلص»، وأشار إلى أن قرارهما بالابتعاد ترتب عليه استبعادها من بطولة فيلم «الخطايا»، ومنح الدور للفنانة نادية لطفي، مختتماً: «في النهاية كان هناك حب عاصف، وبعض الناس المقربين من عبدالحليم يقولون إنه كانت هناك وثيقة جواز.. والله أعلم».