أطلّت على جمهورِها، بشعرٍ حليق، محدثة جلبة أقوى من صوت الطبول. شيرين عبدالوهاب، الرائعة صوتاً وأداءً وشكلاً، أصبحت في لحظات حديث الصغير والكبير، بعدما حلقت شعرها في لحظة نفسية دقيقة، تحتاج إما إلى جرأة كبيرة، أو إلى غضب كبير، أو إلى قرارٍ «فوق العادة». فعلت شيرين ما فعلته، مقدمة «تاج رأسها» (شعرها الجميل) ضحيّةً. وهي ليست أول امرأة تفعل ذلك، ولن تكون الأخيرة. فبين المرأة وشعرها قصة طويلة؛ إذا غضبت «قضت عليه»، وإذا فرحت «تباهت به»، وإذا تاهت «عقدته»، وهرولت مسرعة في متاهات الحياة.. فهل أسرار المرأة كامنة في شعرها؟ وهل يمكننا أن نفهم بنات حواء أكثر؛ إذا راقبنا تسريحاتهنّ؟ وهل لجوء المرأة إلى حلق شعرها يساعدها على استعادة رباطة الجأش، والأمل، وإحداث التغيير المنشود؟

فعلت شيرين ما فعلته «لتعاقب نفسها» على ذنبٍ لم تقترفه على الأرجح. ولن ندخل، طبعاً، في خلافها مع «زوجها»، وفراقهما، و«كآبتها»، لكننا نريد أن نفهم أكثر لماذا قررت شيرين - يوم شعرت بعدم اتزان نفسي - حلق شعرها؟ هل انتقام المرأة من شعرها يريحها؛ فتتغيّر، وتتبدل، وتشق طريقها من جديد؟.. فلنبحث عن الدلالات غير العادية في خطوات استثنائية. المحلل النفسي أنطوان الشرتوني غاص في تلك العلاقة بين المرأة وشعرها.. فماذا عنها؟ ماذا عن حالة شيرين عبدالوهاب، وكل اللاتي يشبهنها؟ ماذا عن قصّ الشعر، وتغيير لونه أو تسريحته، وماذا عن ظاهرة نتف الشعر لدى بعض النساء؛ كلما توترن؟

تغيير الذات

الدكتور الشرتوني بحث «نفسياً» في تلك العلاقة السرمدية بين المرأة وشعرها، فقال: «منذ تكوّن الأنثى طفلة تتغاوى بشعرها، وتختار فراشات ووروداً وألواناً، وربطات شعر، وتقف أمام المرآة وتتمايل. تكبر الفتاة، وتكبر علاقتها الوطيدة مع شعرها، فهناك علاقة بين شعر المرأة وعاطفتها وانجذاب الرجل إليها. وحينما تُقرر فجأة، بلا أسباب مفهومة، حلق شعرها، فكأنها تريد - في قرارة نفسها - إيقاف كل ما كانت تمنحه لرجل تحبه، والامتناع بعد تلك اللحظة عن (جذبه وإغوائه)».

هناك مقولة قديمة لأيقونة الموضة كوكو شانيل، تقول: «المرأة التي تقصّ شعرها، على وشك تغيير حياتها». المحلل النفسي يوافق على ذلك، ويوضح: «هذا صحيح جداً؛ فالنساء يخترن، غالباً، حينما ينوين إجراء تغييرات جذرية في حياتهن تغيير مظهرهنّ، يقيناً منهن أن ذلك سيُشكل وسيلة سريعة مساعدة لتغيير الذات، ولعلّ حلق الشعر يؤدي إلى ما يُشبه الصدمة النفسية، ليس للمرأة وحدها، بل للآخرين أيضاً الذين يتلقون رسالتها، فسهام صدمات من هذا النوع تصيب شظاياها أكثر من اتجاه».

 

فلنبحث أكثر في تلك العلاقة الغريبة العجيبة.. ما رأيكم في أن معظم النساء اللواتي يقصدن صالون تزيين الشعر، ويقلن للمزين: «نريد تغييراً شاملاً»، إنما هنّ على وشك تغيير حياتهن. وهناك نساء يلجأن - بعد الانفصال - إلى قصّ شعرهن، كأنهن يتصورن أن الشعر، كما الحمض النووي، يحفظ الذكريات التي يُراد محوها، وأفضل ما قد يُعجب المرأة - بعد إحداث هذا التغيير - أن تسمع من يقول لها: «كم تغيرت.. كدنا لا نعرفك».

الشعر تاج المرأة.. تكبر الأنثى وهي تسمع ذلك، وحينما تقرر إحداث تغيير في حياتها، فأول ما قد تُفكر فيه هو شعرها، وحينما تفعل ذلك تريد أن تقول للرجل، تحديداً: «انظر كم أنا قوية.. جريئة». فليس سهلاً، أبداً، على أي امرأة أن ترى الموس يمرّ على رأسها، وخصلات شعرها تتساقط.. اسألوا النساء اللواتي عانين السرطان.. اسألوا أطباءهنّ.. السؤال الأبرز الذي كانت تخشى المرأة سماعه، ويخشى الطبيب قوله: هل شعر المريضة سيسقط؟!

سرّ المرأة

شعر المرأة يعبّر عن هويتها؛ إذ نعرف من هي: أنيقة، حرّة، مجنونة، عصرية، تقليدية، جريئة، من تسريحة ولون شعرها. وهنا، علينا ألا ننسى أن «جميلات ديزني» كلهن يتمتعن بشعر طويل ملون رائع، وهناك معتقدات يراها البعض سخيفة، لكن المرأة - شاءت أم أبت - تتأثر بها، ومنها ارتباط شعر المرأة الطويل بقدرتها على الإنجاب، كأنه دليل على أنها لاتزال شابة. لهذا، حينما تقرر شابة الحصول على شعر قصير، وتقرر امرأة ما - شابة أو متقدمة في العمر - حلق شعرها؛ تعتبر واثقة.. متمكنة.. جريئة.

هناك نساء حينما يواجهن تحديات، أو حالات عاطفية، يقمن بنتف شعرهنّ، أيضاً، في حركة تلقائية عفوية، وفي التحليل النفسي سبب ذلك: «نية المرأة أن تتخلص من شعرها، رفضاً لأنوثتها أو لبلوغ حالٍ من النشوة. نعم، الشعر يتحول، أحياناً، إلى (ملذة)، أو طريقة لتأديب الذات أيضاً، أو تعبير عن الغضب، أو الملل، أو الانزعاج.. فهناك تناقضات حتى في الفعل نفسه».

فعلت شيرين عبدالوهاب ما فعلته، وانطلق «القيل والقال»، فالبعض اتهم طليقها حسام حبيب بالفعل، أما هي، فقالت: «الآن.. أصبحت أقوى». شعر شيرين سيعود وينبت من جديد، على أمل أن تكون قد حققت ما أرادته من ذاك الفعل.. لنفسها أولاً، ولكل الآخرين لاحقاً.

ويبقى سرّ المرأة وشعرها أحد الأسرار التي لا تقبل أن تُودَع في قلبِ أحدٍ؛ لأن تسريبها قد يمنع تحقيقها.. فلنترك شيرين لحالِها؛ فما بينها وبين شعرها سيبقى حتماً لها وحدها.

شهيرات حلقن شعرهنَّ

قبل شيرين كثيرات حلقن شعرهن، أو ظهرن حليقات، وأثرن جدلاً.. بعضهن فعلن ذلك لزوم التمثيل، وأخريات لأسباب مرضية أو «نفسية». فردوس عبدالحميد فعلت ذلك، ومايا دياب ظهرت أيضاً حليقة الشعر في فيديو كليب؛ إذ أرادت من ذلك التحدي، وإثبات أن الأنوثة ليست في الشعر فقط.

نادين نجيم رأيناها، في آخر مشهد بآخر حلقة من مسلسل «خمسة ونص» حليقة الشعر؛ دعماً لمرضى السرطان. سوزان سكاف فعلت ذلك، أيضاً، لزوم دور تمثيلي، لكنها بكت كثيراً لذلك. بريتني سبيرز، وديمي مور، وناتالي بورتمان، والممثلة الهندية جايا بتشاريا.. فعلن ذلك أيضاً.