كل يوم ننظر في المرآة، ولكن لن ندرك التغيير في وجوهنا إلا حين ننظر لصورة التقطناها منذ سنوات، عند تلك اللحظة نتوقف ونتأمل حياة الإنسان في مسيرتها النمطية المعتادة، فندرك لحظة تنوير تتوهج في العقل، فتولد رغبة ملحة في فهم حالة الثبات والتغير في بعض مفردات الحياة وتعاطينا معها. لنتوقف قليلاً مع الذات، ونفتش في خباياها، ونحاورها من أجل أن نفهم.

التغيير هو حالة حركة مستمرة ضد السكون والجمود، وهو حتمية كونية؛ فالكون في حالة حركة وتغيير مستمرة، والإنسان جزء من هذا الكون، ويخضع لتلك الحتمية. وتغيير الإنسان يأتي من طريقين لا ثالث لهما؛ فقد يأتي التغيير من الخارج، وقد يكون مثل الانعطافة الحادة في طريق الحياة، تحدث نتيجة حدث ما، أو أزمة نتعرض لها؛ فيهتز كياننا ونندفع في اتجاه التغيير للابتعاد عن معطيات تلك الانعطافة أو الأزمة، وتعيد الظروف الطارئة ترتيب أوراقنا.

أو قد يأتي التغيير من الداخل، والتغيير الداخلي أو الذاتي يتميز بنوعين مختلفين: الأول يكون ناعماً متسللاً بطيئاً ولا نشعر به، وغالباً يتم خلاله تهميش دور العقل الواعي لحساب العقل الباطن، الذي يدير عملية التغيير بمكر وهدوء وبعملية تراكمية؛ فلا ننتبه لهذا التغيير إلا حين نقف للحظات، ونتأمل ما بين المرآة والصورة القديمة.

أما النوع الثاني من التغيير الذاتي، فهو الذي يأتي نتيجة مراقبة الذات والوعي بمعطياتنا والظروف المحيطة بنا وتفكيك أفكارنا، وإدراك أثرها في السلوك، ومراجعة مسيرتنا في الحياة وما حققناه من أحلام ونجاحات، وما فشلنا في تحقيقه، والوقوف أمام سلبياتنا، وبمنتهى الوعي نصل إلى قناعة بأننا لابد أن نتغير كي نعيد الحياة لمسارها الذي يتسق مع أحلامنا وأهدافنا. هذا التغيير هو أصعب أنواع التغيير؛ لأنه يجد مقاومة شديدة وعنيفة من الرغبة في البقاء داخل حدود منطقة الراحة، وتجنب آثار الهلع الذي نشعر به لحظة الخروج منها.

لكن قبل أن نخوض الرحلة، لابد أن نطرح على أنفسنا سؤالاً مهماً، هو: هل نحتاج إلى التغيير؟ 

الإجابة على هذا السؤال هي المفتاح الأكثر أهمية، والذي من دونه لن نجد في تلك الوقفة ما يدفعنا للبدء في رحلة التغيير، وأيضاً هي إجابة من أصعب الإجابات وأسهلها؛ فقد تخدعنا الذات، وتلقي في وجهنا بالإجابة الأسهل، وهي «لا أحتاج للتغيير، بل أنا بخير»؛ فيتدثر الوعي بعباءة الزيف.. ولكن مع حجم الوعي، وعدم التسليم بالإجابات السهلة، وبالصدق مع الذات؛ قد نصل إلى الإجابة الصعبة، وهي أننا فعلاً نحتاج للتغيير، وأنه يجب أن نخرج من تلك المنطقة التي تتوقف الذات - عند حدودها - عن التطور.

قناعتي أننا نحتاج للتغيير؛ فالحياة في حالة تغير وتقدم، تؤدي إلى تغير نوعي في مفرداتها، ومن هذه الزاوية لابد أن نتوقف كل فترة من الزمن، ونتأمل حياتنا ومنجزاتنا وأحلامنا وعلاقاتنا، ونبحث عن الإجابة على السؤال المفتاح كما أشرت «هل نحتاج للتغيير؟»، وألا ننتظر تلك اللحظة العابرة التي تعطينا الإشارة بضرورة التغيير؛ فقد لا تأتي، وقد لا نفهم الإشارة حتى لا تتقدم بنا الحياة، ونحن واقفون في مكاننا، مستسلمون للشعور الزائف بالراحة، ولا نستفيق إلا ونحن قد تأخرنا كثيراً على التطور، وعلقنا بالأمس.