في جدل كوني مع الأرض، الجبل، والبحر.. أنشأ التشكيلي الإماراتي محمد أحمد إبراهيم حواراً بصرياً ملهماً مع الطبيعة البكر، وأطل به على المعاصرة بأعمال إبداعية مدهشة. لتهدي المتلقي - في متعة جمالية - أشكالاً وأقواساً وخطوطاً، تتصل وتتقاطع في رموز تمثل مفرداته التشكيلية المتميزة.. في هذا الحوار «زهرة الخليج» التقت التشكيلي الإماراتي؛ لمناقشة فنه وإلهامه وآرائه حول تجربته الفنية:

• ماذا يعني أن تكون فناناً مفاهيمياً؟

- في رحلتي للبحث عن هويتي الفنية، مررت بالكثير من التجارب، وكانت المفاهيمية باكورتها؛ إذ بدأت أعمالي من خلالها عام 1991. بعد ذلك، اكتشفت أنني محاط ببيئة سخية الإلهام ومؤثرة؛ فاتبعت حدسي وفضولي، مستقصياً الطبيعة، ووجدت أنني منفتح على التعرف إليها، من خلال إبداع أدوات جديدة، والتجريب بالمادة والشكل والمضمون، وتقديمها بشكل يرضي طموحي المعرفي الفني، وذلك من خلال استخدامي مواد الطبيعة، وكذلك من الهياكل والأشكال البدائية، التي تتشكل في منحوتاتي ولوحاتي.

في أحضان الطبيعة

• لماذا اتجهت إلى الطبيعة وموادها في إنجاز أعمالك؟

- لا أعلم ولا أبحث عن سبب، فمثلاً كنت - دائماً - أطرح هذا السوال على نفسي، من خلال الأحجار الملقاة من يوم أن خلقت ولم تحركها إلا يداي، وهذا شعور جميل يمنحني الإلهام، إذ إنني ولدت في خورفكان، وهي مدينة تحتضنها الجبال من مختلف الجهات، ومن الناحية الرابعة تلثمها أمواج البحر، وهي مغلقة، وفي الوقت ذاته منفتحة على ثقافات أخرى، مثل: الهند، وأفريقيا، ومعظم دول العالم. وبدأت علاقتي الخاصة مع الطبيعة منذ الطفولة المبكرة، وفي ريعان الصبا بدأت أتعامل معها كما لو كانت كائناً حياً له روح؛ حتى أصبحت صديقة لي. كنت عندما أذهب إلى الطبيعة أستخدم الطين والأغصان والأوراق والعشب والحجارة، لكنني لم أكن أكسر الأغصان، فلم أزعج المخلوقات في الجبال؛ لأنني أقدرها تقديراً كبيراً.

• هل يمكن أن تحدثنا عن أهم ملامح مشروعك الفني؟

- الفن خطاب يمثل ثقافة شخصية وجمعية، ورسالته هي التعامل مع الإرث الثقافي، وتقديمه في مواعين إبداعية، وخلال تجربتي الفنية أردت تقديم موروث الإمارات، من خلال طبيعتها التي أوجدت لديَّ إطاراً مرجعياً، حدد منظوري ومفردات لغتي البصرية، التي يمكن إيصالها بطريقة سهلة ونقية وصادقة. 

• كيف أسست أسلوبك في التشكيل، وما أهم سماته؟

- بالخبرات والتجريب والتراكم، والإنتاج الغزير؛ ولكي تضع بصمة يجب أن يكون الفن عادتك وأسلوب حياتك الذي تمنحه جُلَّ وقتك. فأنا، مثلاً، أقضي من 10 إلى 12 ساعة كل يوم في العمل، أذهب إلى الجبال في رحلات المشي أو التخييم؛ لجمع الأفكار والمواد من المناظر الطبيعية، كما أحرص على أن يكون ذلك في إطار تفاعل مع العالم، وليس بمعزل عنه، فالاطلاع على كل السمات الإنسانية المشتركة لثقافات الآخر يعطي الأعمال الفنية لمسة خاصة، ويمنحها قوة الاستمرارية، ويعزز وجودها.

شرف.. ومسؤولية

• حدثنا عن اختيارك لتمثيل دولة الإمارات بالجناح الوطني في بينالي فينيسيا 2022!

- يعد هذا الاختيار شرفاً عظيماً ومسؤولية كبرى ملقاة على عاتقي؛ لأنه محطة مهمة في مسيرتي الفنية؛ فالبينالي من أكبر المنصات العالمية لعرض الفنون، وله جمهور كبير من مختلف أنحاء العالم. والفنون من أكثر لغات التواصل انتشاراً، وستكون جميع ثقافات العالم موجودة؛ لذلك أرغب في إظهار ثقافتي، وتقديمها إلى أشخاص آخرين من دول أخرى، وأفكر في كيفية بدء هذا الحوار بيننا وبين هذه الثقافات.

• ما أحب أعمالك إليك.. ولماذا؟

- لا أريد أن أذكر الإجابة التقليدية «إن أعمال الفنان مثل أبنائه»، لكن - ومن خلال ثلاثة عقود من التجربة، سواء من خلال التركيبات، أو الرسومات، أو المواد التي أستخدمها - بالنسبة لي أكوّن علاقة خاصة مع الأعمال التي أقضي فيها فترات طويلة، حيث تنشأ بيني وبينها ألفة وصداقة مثل التي تحدث مع البشر، وهذه - في الأغلب - أعمالي التي أحبها بشكل شخصي؛ لذا أميل إلى الاحتفاظ بها في الاستديو الخاص بي. 

• كيف ترى مسيرة النقد التشكيلي عموماً، وهل وجدت أعمالك حظها من النقد؟

- هي مسيرة لاتزال خجولة، لكنها - لحسن الحظ - آخذة في التطور يوماً بعد آخر، وقد ظهرت أصوات ناقدة قوية كثيرة، أذكر منها الفنان والناقد أسعد عرابي، وهناك حركة ملحوظة متزامنة مع تزايد جمهور التشكيل ومتذوقيه.

6 معلومات

1ـ ولد الفنان الإماراتي محمد أحمد إبراهيم عام 1962، في مدينة خورفكان بدولة الإمارات، ولايزال يعيش فيها.

2 ـ أحد رواد حركة الفن المعاصر بالإمارات، منذ أواخر الثمانينات وحتى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. 

3 ـ عضو في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية. 

4 ـ أسس، عام 1997، مشغل الفنون في مركز خورفكان للفنون.

5 ـ أقام معارض فردية في الإمارات، وشارك في معارض جماعية بدول، مثل: ألمانيا، وفرنسا، وهولندا.

6 ـ ممثل الجناح الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة في بينالي فينيسيا 2022.