في عالم يضج بالأحداث المتلاحقة والأزمات، أضحت البشرية تعيش حالة من التوتر والقلق والترقب، في ظل المجريات الصحية والاقتصادية، وانعكاساتها السلبية على الإنسانية، ما أدى إلى إصابة البعض بأنواع متعددة من الاضطرابات النفسية، منها «نوبة الهلع»، أو ما يسمى: Panic attacks  وهي عبارة عن خوف يصل لأعلى شدته خلال دقائق معدودة.. وهذا الخوف يبدأ فجأة ويرافقه أعراض جسدية، مثل الشعور بالدوخة والرعشة، وآلام في المعدة، وضيق في التنفس، والتعرق، وغيرها.. وينطوي اضطراب الهلع panic disorder على هجمات ذعر عفويَّة تحدث بشكلٍ متكرر، وقلق حول الهجمات في المستقبل، وتغيُّرات في السلوك لتجنب المواقف التي ترتبط بالهجمة.

 وفيروس الهلع، إن صحت التسمية، لا تحمينا منه كمامة؛ بل يفاجئنا بأعراضه، وربما يكون تأثيره أشد فتكاً من المرض العضوي، خاصة أنه لا توجد وصفة طبية للخلاص منه، فقط «التحدي الذاتي» هو من ينقذ المصاب بـ»الهلع». لكن يبقى هناك بصيص أمل، علينا أن نتمسك به، بحسب استشاريي الصحة النفسية وتطوير الذات، الذين استطلعنا آراءهم في التحقيق التالي، فضلاً عن بعض المتعافين من نوبات الهلع.

زيادة الوعي 

خوف، قلق، توتر، وحالة من الرعب، مشاعر انتابتني يومياً لمدة عام كامل، خاصة عند خلودي إلى النوم، ووضع رأسي على الوسادة.. هكذا بدأ (م.ع)، الذي طلب عدم نشر اسمه، نظراً لأن المجتمع - على حد تعبيره - لايزال يتحدث عن وصمة العار التي تؤثر في المريض النفسي حتى بعد الشفاء، مؤكداً أن زيادة الوعي المجتمعي بأن المريض النفسي مثل مريض الجسد يحتاج إلى علاج، من الأمور الضرورية.

ويضيف: في بداية تشخيص الحالة، تناولت بعض أدوية الاكتئاب، التي وصفها لي الطبيب لفترة محددة، وبجرعات مدروسة، إلى أن تم التعافي بحمد الله. والآن، أتابع مع أخصائي تطوير ذات لاستكمال رحلتي نحو الأعلى، ووضع أهدافي، وما أرنو إليه في المستقبل من أحلام، والتفكير في كيفية تحقيقها.

تغيير روتين الحياة

بدورها، تؤكد (أم رند - ربة منزل) أنها كانت تشعر دائماً بدوار، وحالة من الغثيان، وأيضاً تعاني احمراراً في العين وتشويشاً، ودقت أبواب كثير من الأطباء المتخصصين في المخ والأعصاب والعيون، وبعد الكثير من التحاليل والأشعة، وتناول المزيد من الأدوية دون فائدة، نصحها أحدهم بالذهاب إلى طبيب نفسي. وكانت بداية الاستشفاء، وتلخص العلاج في تغيير روتين حياتها اليومية، وممارسة هواية، واتباع شغف ما، فضلاً عن التواصل مع مجموعات المتعافين، الذين تقول عنهم: كانوا ملاذي نحو الشفاء، وكنا نجلس معاً، افتراضياً، في الاجتماعات الأسبوعية، التي ينظمها الطبيب، ويسمع بعضنا بعضاً؛ فتهون شكوانا، وندرك أن الموضوع أبسط مما كنا نتصور.

نافذة الأمل

أما سيدة الأعمال روعة محمود، التي عانت نوبات هلع، منذ حوالي عامين، عندما بدأت جائحة «كوفيد - 19»، فقد عاشت مأساة تسببت في هدم حياتها الأسرية، وانفصالها عن زوجها، قائلة: وصلت إلى حالة من الرعب والشك والوسواس، وكنت أفيق من نومي أصرخ من دقات قلبي المتزايدة، أختنق، أحتاج إلى الهواء، لا أستطيع التنفس، وأفتح باب المنزل، وأذهب فوراً إلى قسم الطوارئ بالمستشفى، وكانت حالتي تزداد سوءاً، يوماً تلو الآخر، إلى أن قررت المكوث عند باب المستشفى، اعتقاداً مني أنني بذلك سأكون أقرب إلى الطبيب، وأبعد عن الموت.

وتضيف: منَّ الله عليَّ بالشفاء، بمساعدة سيدة مسنة كانت على مقربة مني، وشاهدت حالتي على باب المستشفى، فاصطحبتني معها لزيارة ولدها مريض السرطان، في نفس المستشفى، حيث يئس الطب من حالته، وأخبروها بأن حالته متأخرة بينما هي لا. وعندما حكت لي قصته، وكيف ماتت زوجته، وأبناؤه في حادث قبل عام من إصابته بالسرطان، وبعد أن كان عائلها، أصبحت الآن تعوله، وتهتم به في هرمها، وزفت إليَّ البشرى بأنه، الآن، وبفضل الله يتعافى، والأطباء في دهشة كبيرة، متسائلة: لماذا الدهشة؟ إنها إرادة الله! قائلة لي: الأمل هو النافذة التي نطل منها على حياتنا؛ لنراها أجمل وأفضل بإذن الله.. فلتتمسكي به!

مواجهة المشكلات 

وعن الوقاية من نوبات الهلع قبل التعرض لها، تشير المستشارة الأسرية، الدكتورة نعيمة قاسم، إلى أن الوقاية خير من العلاج، ويكون ذلك من خلال مواجهة المشكلات والأزمات بشجاعة، لاسيما أن المسؤولية في ذلك تقع على رب الأسرة، سواء كان الأب أو الأم، أو كليهما، في تعليم الأبناء اتباع السلوك الإجرائي السليم، وعدم الخوف مما يحيط بنا مهما كان، ومواجهته من خلال زرع الأمان في نفوسهم، عبر رؤيتهم لوالديهم قدوةً ومثلاً أعلى في الجد والنشاط.

وتضيف: ومن الأمور المهمة عدم سرد الأخبار المحبطة والسلبية بين أفراد الأسرة طوال الوقت، واستبدال ذلك بالحديث عن الإنجازات والنجاحات والابتكارات والإبداعات المحلية والعالمية، وحتى الإنجازات التي تتم في محيط الأسرة نفسها.

وتؤكد قاسم أن مرافقة الأبناء في نزهات إلى البر، وممارسة الرياضة، وتغيير روتين الحياة بشكل عام من الأمور المهمة.

مجموعة من الأسئلة

وعن أساليب العلاج، توضح خبيرة التنمية الذاتية والصحة النفسية، لميس نايل: من المدارس العلاجية للهلع العلاج المعرفي السلوكي، الذي يلخص علاج نوبات الهلع في أساليب معرفية عدة، تتمثل في التعليم النفسي؛ بهدف تعليم الشخص كيفية التعامل مع النوبة، وليس الهروب منها؛ لأن الهروب يؤدي إلى استمرار المخاوف. 

وتضيف: هناك، أيضاً، أسلوب إعادة البنية المعرفية، ويعتمد على المناقشة والمعالجة اللفظية، التي ترتكز على معرفة الأفكار التي تدور في ذهن الشخص عندما ينتابه الهلع، ومن أكثر الأخطاء المعرفية عند مريض الهلع التفكير الكارثي، مثل: «سوف يغمى عليَّ أمام الناس»، و«سوف أموت».

وتلفت نايل إلى مجموعة من الأسئلة، ينبغي على المريض أن يجيب عنها، عندما تبدأ النوبة، منها: ما أسوأ شيء قد يحدث؟ ما الأفكار البديلة لهذه الوساوس التي تنتابني حالاً؟ ما الأدلة التي تتعارض مع أفكاري؟. أيضاً، توجد أساليب سلوكية للعلاج، تتمثل في: التنفس البطيء أو البطني.

وتشير إلى أن من أهم العوامل التي تثير الأعراض الجسدية عند نوبة الهلع، التنفس الخاطئ، فتنفس الشخص الطبيعي يراوح بين 10 و12 مرة في الدقيقة، بينما مريض الهلع تتزايد أنفاسه إلى أن تصل إلى 30 مرة في الدقيقة. لذا، من تكنيكات مواجهة النوبة: التنفس البطيء، وممارسة تمارين الاسترخاء، وشد عضلات الجسم.

  • لميس نايل

5 حقائق

1 .  تبدأ اضطرابات الهلع في أواخر مرحلة المراهقة (15 إلى 35 عاماً).

2 .  تصيب نوبات الهلع ما لا يقل عن 11% من البالغين سنوياً. 

3 .  النساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة باضطراب الهلع بنسبة الضعفين تقريباً.

4 . يتعافى معظم المرضى من نوبات الهلع دون علاج، ولكن عدداً قليلاًَ يُصاب باضطراب الهلع.

5 . 30 % من الناس معرضون للإصابة بنوبة واحدة على الأقل في حياتهم.

10 أعراض

تأتي نوبات الهلع فجأة بدون سبب واضح، وقد يشعر الأشخاص الذين يعانون منها بـ: فقدان السيطرة على أنفسهم، وخوف مفاجئ وكأنهم يواجهون الموت، والانفصال عن محيطهم.. وتشمل أعراض نوبة الهلع:

1 .  سرعة ضربات القلب

2 .  آلام في البطن والصدر

4 .  الدوخة أو الدوار والغثيان

5 .  الهبات الساخنة أو قشعريرة

6 .  ضيق في التنفس وشعور بالاختناق

7 .  خدر أو وخز في الأطراف

8 .  الرعشة والتعرق

9 .  الانسحاب من المواقف الاجتماعية

10 .  فقدان القدرة على التحكم والقلق الشديد

  • نيكولاس كيج

هلع المشاهير

هل يصاب المشاهير بنوبات هلع؟.. الإجابة نعم، فعلى مر العصور، عانى المشاهير من اضطرابات الهلع. عانى الممثلون والمغنون والكتاب والمخترعون وعلماء النفس والفنانون والملوك أيضاً.. وقد لعبت  «جوليان مور» دوراً مهماً في فيلم Safe عن الاضطراب. وأيضاً النجم نيكولاس كيج من خلال فيلم (التكيف)، أو Adaptation الذي قدمه عام 2002.