حاز مسلسل «عالحد»، المؤلف من 12 حلقة والذي عرض مؤخراً، إعجاب الجمهور واهتمام النقاد على حد سواء. العمل تقوده في محاوره الثلاثة قوة نسائية متميزة، تثبت بالتزامن مع احتفال العالم بيوم المرأة أن الأنثى العربية قادرة على الإبداع والتفوق حال توافر الفرص المناسبة لها، فالمسلسل كتبته كل من لانا الجندي، ولبنى حداد، وأخرجته ليال راجحة، وهو من بطولة النجمة السورية سلافة معمار، ومعها كل من القديرة صباح الجزائري ورودريك سليمان وعلي منيمنة ومروى خليل ونتالي فريحة وأدمون حداد. 

تروي قصة المسلسل حكاية «ليلى» وهي صيدلانية سورية مقيمة منذ زمن طويل مع ابنتها في منزل خالتها في أحد أحياء بيروت، بعد أن اختفى زوجها في المهجر لثماني سنوات دون أي تواصل بينهما، وتعيش هذه السيدة حياتها العادية التي تبدو طبيعية ولكننا نعلم أثناء الحلقات الأولى بأنها على علاقة غير شرعية مع زوج صديقتها وهو صديق قديم لها تحول إلى عشيق، كما نلاحظ أنها تتناول أدوية أعصاب بشكل مستمر وخاصة عندما تشعر بأي توتر أو غضب. 

 

 

 

تبدأ الأحداث بالتصاعد بعد تعرض إحدى فتيات الحي للاغتصاب ليلاً أثناء عودتها إلى منزلها، ويلوذ المغتصب بالفرار، ومن ثم تتعرض «ليلى» لنفس الموقف ولكنها تدافع عن نفسها وتطعن من يهاجمها بآلة حادة، لنكتشف لاحقاً أنها قتلته جراء تلك الطعنة، لتتوالى الحكايات التي تجعل من الصيدلانية قاتلة متسلسلة، وتقتل عدداً من الرجال الذين يظلمون النساء بأشكال مختلفة، سواء أكان هذا الظلم تعنيفاً جسدياً أو استغلالاً عاطفياً أو خيانة، لتستسلم «ليلى» في نهاية المطاف، وتعترف بأنها خلف كل هذه الجرائم التي حولتها إلى قاتلة متسلسلة. 

قضايا شائكة 

يناقش مسلسل «عالحد» قضايا شائكة وحساسة وجديدة في شكلها وأسلوب طرحها، وقد نجحت كاتبتاه في خوض مضمار غير مسبوق في الدراما العربية، فمن التحرش الجنسي والاغتصاب مروراً بالعنف والاستغلال الجسدي وصولاً إلى تفشي المخدرات، ترك المسلسل بصمة جديدة في عالم الدراما، وأتت النجمة سلافة معمار لتؤكد من خلال أدائها الرائع والمتميز بتقديم شخصية صعبة ومركبة حصدت تعاطف الجمهور معها رغم جرائم القتل المتتالية، بقدراتها الاستثنائية على تقديم أدوار تحترم فيها مكانتها الإبداعية، ونجحت بالتالي شركة الصباح التي أنتجت العمل في رهانها بتقديم عمل سوري لبناني مشترك من بطولة نسائية مطلقة مختلف عن الأعمال السائدة، فهو عمل يستند إلى حالة نفسية خاصة في ظروف استثنائية تمر بها شخصيات المسلسل. 

مبالغة في الأداء 

قادت العمل المخرجة ليال راجحة، التي تميزت في الجوانب الفنية، وفشلت في إدارة الممثلين والجانب النفسي للشخصيات، ففي الجانب الفني كانت حركة الكاميرا عموماً والإضاءة والتكنيك بشكل عام جيدة، أما من ناحية إدارة الممثلين وزوايا تصويرهم وخاصة سلافة معمار فقد حادت راجحة عن جادة الصواب، ولاحظنا أنها تركت مساحة كبيرة من المبالغة في التمثيل «Over Acting»، وهذا ليس مطلوباً في هذا النوع من الأعمال، كما كررت تصوير معمار عن قرب وصدرت صورتها بشكل مشوه في محاولة منها للتعبير عن الانفصام النفسي الذي تعيشه الشخصية الرئيسية أثناء تسلسل الأحداث، والمشكلة الأبرز كانت في تسلسل الأحداث التي علمنا من مصادر مطلعة بأنها لم تكن كذلك في النص الأساسي، حيث قامت راجحة بحذف عدد كبير من المشاهد، فجعلت الكثير من الأحداث تبدو مبتورة أو غير منطقية، وخاصة تلك المشاهد التي كانت تلي عمليات القتل والحالة النفسية للقاتلة، كما ضم العمل العديد من الأخطاء الزمنية والمشاهد غير المبررة والأخطاء الإخراجية، التي لم تفقد العمل أهميته خاصة لجهة القصة. 

المشكلة الأخرى التي عانى منها المسلسل هي الاختيار الخاطئ للممثلين، حيث كان يمكن للعمل أن يكون أكثر أهمية لو تم اختيار فنانين أكثر قدرة على الإقناع، خاصة شخصية المحقق التي نعرف أنها مختلفة تماماً عن الشكل الذي ظهرت به، فرغم حدسه وشكه، فقد كان يتعامل مع الشخصية المؤثرة وكأن هناك ثأراً شخصياً بينهما على مبدأ أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، ومحاولاته المتكررة للإيقاع بها، من خلال التلاعب بالكلمات، وليست هذه هي الطريقة المتبعة للتحقيق في قضايا شائكة كالتي يناقشها العمل. 

«تلجة» شخصية

استطاعت الفنانة السورية الشابة دوجانا عيسى التي أدت شخصية «تلجة» أن تلفت الأنظار إليها ولأدائها المميز في أول تجربة لها، وحققت عيسى حضوراً باهراً، حيث أدت شخصية فتاة متسولة تتحول لبيع المخدرات نتيجة الحاجة والفقر بعد أن تم التغرير بها، وما لفت الأنظار إلى «تلجة» هي لهجتها الحمصية وتحديداً لهجة منطقة مصياف الغريبة نوعاً ما عن اللهجة السورية، إضافة إلى تفرد دوجانا بالأداء العفوي وغير المتكلف، وهذا ما يحقق معادلة أن الممثل يستطيع أن يتفرد بنفسه بعيداً عن الإطار العام للعمل.   

أخيراً، «عالحد» مسلسل استحق النجاح الذي حققه، خاصة أنه من صناعة نسائية كاملة وإنتاج متكامل الأركان، ونتمنى أن يكون بداية حقيقية لسلسلة أعمال مختلفة وبعيدة عن السائد.