كان في بخارى والهند والصين الكثير من المتصوفة والزهّاد، الذين شكّلوا شعاعاً من العِلم الباطني العرفاني، وكانت تكايا الدراويش في العالم الإسلامي منبعاً عظيماً، استقطب المُريدين والباحثين عن التنوّر في الطبيعة الحرّة، عن طريق التأمل، والذكر وحلقات السؤال والبحث. بكل بساطة كانت علوم الرّوح تُهدى إلى المُريد الباحث عن ملاذ فكري وروحي.

في الآونة الأخيرة، ومنذ اندماج الكون مع طاقة الوعي الجديد، بلغت أصداء الانفتاح الإعلاني على الجمهور، الذي أذهلته عوالم الروح، وقوانين الكون، وبات يرنو نحو الأكثر والأعمق في المعلومات الماورائية، وعلى الأغلب أن المعلمين قد انبثقوا بين وسائل التواصل الاجتماعي ينشرون الوعي الجديد، ويعقدون الورش التدريبية، والجلسات الاستشفائية في الطاقة، والنسخ الجديدة والمتعددة في الكون، والحيوات السابقة، والكارما..

لكن ما وجه حقيقة أغلبهم، حينما يغشاهم الطمع العجيب للمال والاستعراض؟ هل بالإمكان تحويل المَلكة الروحية التي هي في الأصل (عطية ربانية) إلى مورِد استرزاق؟ كيف حولوا هذا الفتح العظيم، الذي وُهب لهم وتجلّى، بعد مراحل الوعي العميق، إلى مصدر رزق مادي؟ والسؤال الأهم: حينما منحهم الله تجليات المعرفة العميقة، هل دفعوا مقابل ذلك مبلغاً من المال؟ 

قد يلجأ بعضهم إلى تسطيح علوم الرّوح، بمجرد أن يطالب بالمقابل المادي، وقد يسعى بعضهم إلى المنافسة في طرح الخدمات عبر أجندة من البرامج الروحانية، مثل: قراءة الطالع، أو الخريطة الفلكية التوافقية، أو العودة إلى الحيوات السابقة. لقد باتت الرّوح تُسوّق كأي مادة استهلاكية الغرض منها كسب الشهرة والاسترزاق والدعاية، برامج وورش ودورات ورحلات وسفر وجلسات يوغا، تتطلع - في ظاهرها - إلى الارتقاء بالوعي، لكنها مبطنة بالاستنزاف المادي. 

إن الروحانية الحقيقية كامنة في الاكتفاء والتخلي، ويحق للمعلم الروحاني أن يعيش بكرامة دون أن يتخذ من مَلَكات الرّوح طريقه إلى الاسترزاق، إن تعاليم الروح تُهدَى من الله، وقد يرتقي المرء في درجاتها مع الزمن، وفق التجارب والخبرات والمعاناة، إن التجربة الروحية ذاتية بامتياز، لا تحتاج إلى مجهود بل هي تلقائية، ولا حاجة للمرء ليدفع أمواله؛ ليتحصّل على جلسة يوغا وتنظيف طاقي أو رحلة استشفاء وخلوة، أو غيرها، تلك هي ذريعة سخيفة للمتعبين واليائسين، ومن لا يثقون بذواتهم، وبالرّحلة الفردانية. التواصل مع الرّوح سهل جداً، ويكفي أن نخصص لأنفسنا في نهاية الأسبوع، ولمدة ساعة على الأقل، أجواءً من الرحلة التواصلية مع الله، والتأمل والهدأة والتنفس العميق، كما أن رحلة واحدة في الطبيعة، بعيداً عن الفوضى والضجيج، هي وحدها تغنينا عن جلسات سنة كاملة.. فكلما تعمّق الإنسان أكثر في روحه؛ كان الزّهد زاده.. والحكمة نوره.. والتأمل مورده اللانهائي.