تمرّ في التاسع عشر من شهر رمضان 2022، الذكرى الـ18 للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وصورته الجليّة لاتزال حيّة في أفئدتنا ونفوسنا، مطبوعة في قلب كلّ من عرفه أو سمع عن مآثره، وذكر له ما حقّقه من إنجازات لخير ورفاهية وتقدّم ورفعة بلاده. معالي زكي أنور نسيبة، المستشار الثقافي لصاحب السمو رئيس الدولة، الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة، يتحدث إلى «زهرة الخليج» عن سيرة الشيخ زايد الطاهرة، التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من تاريخ المنطقة، وباتت مُدوّنة في صفحات خالدة من ذاكرة البشرية، وسُمعته المُدوّية كرجل دولة تاريخي، تحدّى الزمان والمكان؛ ليُحقّق ما نراه اليوم من قوّة ورفاهية وازدهار من حولنا، تزداد وهجاً مع الأيام والسنين.

يقول معاليه: «نذكر المغفور له الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، ونحن لانزال نعيش أفضاله ومآثره وغزير عطائه، لأنه بالإضافة إلى ما حقّقه في حياته الطاهرة من أعمال خالدة، أسّس لمدرسة في الحكم والإدارة، نراها اليوم راسخة في آثار خلفه الصالح، الذي يعمل بنهجه وعلى دربه؛ لدفع مسيرة التقدّم والرفاهية بالبلاد إلى مستويات غير مسبوقة، ويحرص على الانطلاق بالدولة إلى آفاق رحبة جديدة، تُعزّز مكانتها الإقليمية والعالمية».

  • زكي نسيبة 

اللقاء الأول

ويستكمل، قائلاً: «لم أكن أعلم أنه ستُكتب لي حياة جديدة، ومستقبل رائع ومُشرق في الوقت ذاته، الذي كانت فيه الأراضي الفلسطينية تُعاني أوقاتاً مُظلمة في ستينات القرن الماضي، لقد شاءت الأقدار أن أحظى في حياتي بالعمل عن كثب مع الشيخ زايد، رحمه الله، لسنوات طويلة، كانت بالنسبة لي أسعد أيام العمر، فلقد عاصرت - من واقع تجربتي الشخصية - ملامح شخصيته الآسرة».

ويستذكر أول لقاء له مع المغفور له الشيخ زايد، قائلاً: «التقيت الشيخ زايد لأول مرة عام 1966 في لندن، بمنزل سفير الدولة لدى المملكة المتحدة آنذاك، حيث طلب مني، طيب الله ثراه، الحضور بعدها إلى أبوظبي بعد تسلّمه مقاليد الحكم في الإمارة، وتعرّفت بعدها إلى عدد من رجال الإعلام والصحافة».

ويضيف: «في عام 1968 طُلب مني عمل فيلم وثائقي باللغة الإنجليزية عن الشيخ زايد، فذهبت لمقابلته رحمه الله في قصر الحصن، وتعرفت إلى شخصيته الكريمة من قرب، عملت بعد ذلك مع حكومة أبوظبي، ومترجماً خاصاً للمغفور له الشيخ زايد، وصحافياً، واستلمت مناصب إعلامية عدة. وبعد الإعلان عن قيام الاتحاد، عُيّنت مسؤولاً في وزارة الإعلام عن الإعلام الخارجي، وانتقلت إلى ديوان الحاكم، وأصبحت المدير الإعلامي، وفي الوقت نفسه مستشاراً ومترجماً شخصياً للمغفور له الشيخ زايد، وكان ذلك عام 1975، لتكون رحلة مُثمرة حافلة بالمعرفة والتجارب الغزيرة المُتفرّدة، امتدت على مدار 40 عاماً».

نظرة شاملة

وعن شخصية المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، ومآثره، يقول معالي زكي نسيبة: «انعكست نشأة الشيخ زايد في مدينة العين، ومحيطها الصحراوي القاسي عليه؛ لتُشكّل منه شخصية حكيمة مرموقة. كان، طيب الله ثراه، وباعتراف الجميع يتمتّع بجاذبية قيادية، وشخصية مُميّزة تُمكّنه من التواصل بيسر ودون تكليف مع كلّ من قابلهم، رغم تنوّع خلفياتهم الثقافية، أو الدينية، أو العقائدية. وكان في كلّ اجتماع حضرتُه يؤثّر بشكل عميق في مُحاوره، ويسترسل في الحديث والاستماع باهتمام وتركيز، ولا يلجأ في خطابه إلى القوالب الشكلية المعهودة لرجال السياسة، بل يُخاطب عقل ووجدان مُحدّثه، وينظر في كلّ قضية يُثيرها، في إطار نظرته الشاملة في الحياة والكون».

ويضيف معاليه: «من الصعب علينا، اليوم، ونحن ننعم بالرفاهية والاستقرار في ربوع الإمارات، بعد أن تمكّنت، خلال العقود الخمسة الماضية، من تبوّؤ مكانتها المُميّزة والمُتقدّمة بين الأمم والشعوب، بما حقّقته من تقدّم ورخاء جعلاها من دول المنطقة الرائدة، وما ساهمت به من دور فاعل كعامل استقرار على المسرحين الإقليمي والدولي، تصوّر ما كان يسكن الشيخ زايد من هواجس وهموم ثقيلة في سنوات تأسيس الاتحاد، وهو يُصارع التحدّيات والعوائق؛ لكي يجعل الحلم حقيقة».

يعتبر المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، من الشخصيات واسعة الأفق والإدراك، وفي ذلك يقول نسيبة: «كان، رحمه الله، يعي الماضي بكلّ عبره، ويعيش الحاضر بكلّ مُكتسباته، ويرعى الانطلاق نحو مُستقبلٍ يواكب الحضارة الإنسانية، مؤمناً بضرورة الانفتاح على العالم والتحديث والتقدّم، بما يُحقّق الرخاء والأمن لشعبه، ولم يكن ينظر إلى البترول كمصدر للمال والثروة، وكمساعد على العمران والتشييد، بقدر تركيزه الأساسي على بناء الإنسان، ليقينه التام أن الفرد هو الثروة الحقيقية، وهو أساس النهضة والحضارة، والمستقبل المضيء والتقدم، وعلى سواعده تتحقق الإنجازات، وتزدهر التنمية؛ لذا كان لا يرى للمال فائدة من دون الرجال، حيث كان يقول إنه (زائل كالمحروقات)؛ لذلك سعى إلى ترسيخ أعمدة الدولة بأيدٍ مواطنة، تمتلك الكفاءة والإخلاص، والانتماء الحقيقي إلى تراب إمارات العزة والكرامة».

أسلوب حـــياة

يقول معالي زكي نسيبة: كان المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، مدرسة ومؤسسة وثقافة وأسلوب حياة، ونظام عمل وعقيدة ركيزتها التضحية، والسهر على راحة الآخرين، زرع سنابل الخير والأمل والوفاء في كلّ ربوع الإمارات، ونحن نحصد اليوم بفضله، والحمد لله، ما تُحقّقه دولة الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مع إخوانه أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات وأشقائه الكرام، من خطوات عملاقة تُحلّق بالإمارات إلى آفاق عالمية جديدة ورائدة.