«يجب أن تتقبله ولا تهمله.. إنه قلبك، حتى وإن كان قاصراً، فهو يستطيع أن يُكمل المشوار معك»، عمران الشامسي.

أتساءل: أين يكمن جوهر الفهم للمعاناة الشخصية، التي بها يكوّن الفرد مساره نحو الإبداع والتحرر من ثقل الألم؟  القارئ للسيرة الذاتية، التي كتبها د. عمران الشامسي عن رحلته الخاصة في هذه الحياة مع تجربة مرض تشوهات القلب الخلقية منذ الولادة، وفترة متلازمة «الطفل الأزرق»، ومروراً بمراحل مؤلمة من العمليات الخطِرة جداً، سيلحظ تلك القوة الروحية الخلاقة، التي أنتجت لنا هذه المدونات الإنسانية الممتلئة سلاماً وانسجاماً مع مسار الكون، والتي يأخذنا بها نحو مراحل الألم والتشافي والجمال الخاص لفكرة الإذعان، وفكرة القبول بالواقع التي وُلد الإنسان عليها، لكن دونما يأس وانكسار، وإنما بمحاولة تكرار البحث عن منافذ وشواطئ موثوقة وآمنة. بين منعطفات الرحلة التي تتخللها شروح طبية أحياناً وتوصيفية للحالة المرضية، تستوقفني فكرة السلام الداخلي في الحياة، الحياة التي نخوض في غمارها العوم بين كتل متكررة من الألم العظيم والمفاجآت المُرّة. في رحلة عمران الشامسي، نعثر على تلك الكتلة الثقيلة التي بدأت تكبر في رحلة العلاج، خاصة في ظل وفاة الأب، ثم إعاقة طفله بعد حادثة الغرق في حوض استحمام البيت، ورغم الصدمات والأحداث المؤلمة وتحذيرات الأطباء والتقارير التي تشي بالموت البطيء، وعدم الاستقرار الصحي، نجد عمران يستمر في التشبث بفكرة الاستمتاع بالحياة، بما أوتي قلبه من خلايا تتدفق رغبة وإنجازاً ونوراً وسعادة، أراد عمران إغناء حياته بالمحبة والاحتواء والسلام مع الكون وطبيعة الوجود: «لقد استمرت الحياة، لابد لها أن تستمر».  إن المعاناة من زاوية أخرى هي عنصر فعّال وسريع لتعميق الكينونة، وتملك المعاناة عُمقاً كما يصفها الحكيم الروحي الهندي «أوشو». تملك المعاناة دموعاً، وللدموع توغلٌ عميق أكثر من أي ضحكة، وللحزن والألم صمتهما الخاص، ولحن لا يمكن للمشاعر الأخرى أن تحظى به. لقد وَلَّد قلب عمران، الذي وصفه الأطباء بالمشوّه والعليل، وعياً بالذات المسؤولة عن إنتاج الفرح الخاص، ومحاولة التمتع به قدر الإمكان، وقد جعلته مرارة الحياة متذوقاً حكيماً ومتمتعاً بحلاوتها، ومقدراً الأبعاد الأجمل في تحقيق التوازن والاكتفاء والقبول. وأنا على ثقة بأن ثمة حياة إبداعية كبيرة بانتظار عمران، فبعد مراحل من النموّ الروحي، وتحرك الوعي نحو التشافي بالكتابة، وتقدير القلب بالكتابة عنه، تصبح البذرة أزهاراً، وستهبه الحياة مجداً وإنجازاً استثنائياً يأتيه من كل اتجاه.