هنا وهناك في أمكنة كثيرة، وبين أفكار عديدة، أعيش هذه الأيام، ويبدو أنني لست الوحيدة التي تُحيط بها الحياة المزدحمة. ملء الأيام بالعمل والإنجاز شيء جميل، ونعمة أحمد الله عليها، ولكن في «رمسة عاشة» أردت أن أفتح - من خلال قراءتكم سطوري - نافذة خارج ضجيج الأيام.. هل تُمضون كثيراً لحظات في محاولة الهرب من أسئلة في دواخلكم عن حياتكم، سواء الشخصية أو العملية، وعلاقتكم بالآخرين حولكم، وما الذي تريدونه حقيقة في هذه الحياة؟

أن نكون في قمة نجاحنا، ووجود العديد من الأشخاص في أيامنا، ليسا بالضرورة يكفيان للشعور بالرضا عن الذات، ولتلمسوا هذا انظروا حولكم، وتأملوا كيف أن كثيراً ممن هم في ظروف اجتماعية واقتصادية يتمناها كثيرون في العالم ليسوا بالضرورة سعداء؛ بسبب نجاحهم أو ثروتهم فقط، بل يفتقدون السعادة في كثير من الأحيان. وهنا، لا أقلل أبداً من أهمية النجاح والاستقرار المادي والثروة، والتي لا ينكرها أحد. ولكن ما يجعل شخصاً أكثر سعادة من غيره - برأيي - هو قدرته على الوصول إلى الرضا عن النفس من جهة، وإدراك ما يحتاج إليه في المرحلة العمرية والمهنية التي وصلها من جهة أخرى، وما يضبط إيقاع الأمرين هو وضع كل ذلك في ميزان هو الأهم «ميزان السلام الداخلي»، وإدراك الذات والوعي بها، أو ما يطلق عليه الـ«Mindfulness».

فمثلاً.. قد يكون مستوى النجاح المهني أو الاجتماعي يتطلّب مستوى مرهقاً من المجاملات، التي لو تركناها دون تحديد المهم فالأهم؛ ستستحوذ على وقتنا وتستهلك طاقتنا. لذا، من الضروري - في ذروة انشغالنا - أن نُدقق في الذي يلتهم أيامنا، ونُجري تدقيقاً لنوعية العلاقات الاجتماعية، والأشخاص المحيطين بنا، هل الجميع يستحقون الوقت والجهد الذي نمنحهم إياه؟ هل نقوم بواجبنا نحو من هُم الأهم مثل والدينا وأبنائنا؟ هل مكنتنا الأيام من أن نميّز الأصدقاء الحقيقيين؟ وهل الثقة - تلك الهدية الثمينة - منحناها لمن يستحق، سواء من الأقرباء أو الأصدقاء أو الزملاء؟

هذه الأسئلة، وغيرها الكثير، تدور في أذهان كل واحد منّا، لكن الفرق هو في طريقة تعاملنا معها. ونحن في ذلك منقسمون إلى فئات ثلاث: البعض يتركها كضجيج في مساحات حياته، متجاهلاً إياها دون أن يعلم أن التعب والإرهاق اللذين يمر بهما متصلان بها. والفئة الثانية، وهم الأغلبية، يتوقفون عندها كثيراً، لكن دون إجابات شافية. والفئة الثالثة، وهم قليلون، نجحوا في الإجابة عن معظم الأسئلة التي ذكرتها، وينعمون براحة غير عادية.

في «رمسة عاشة»، لم أرد أن نُمضيها في البحث عن إجابات، لكن أن نتوقّف ونفكّر، وأن نجد في محيطنا وأنشطتنا اليومية وعلاقاتنا ما يساعدنا على أن نجد ذواتنا. آمل أن تكون سطوري بداية حوار، يمكّنكم من العثور على كل ذلك.. فهل أسئلتكم تُشبه أسئلتي، وهل توصلتم إلى إجابات لها؟