تلك (المشاكسة) تزعجني كل عيد!

تتقافز في رأسي.. تزيح كل أستار النسيان السميكة، وتفتح أوسع نوافذ الحنين.. تأخذني من يد «قلبي»، وتذهب بي إلى «علبة بلاستيكية» قديمة على شكل (رأس فيل)، كانت يوماً مخصصة لنوع لذيذ من المثلجات.. ومع السنين صارت مخصصة لنوع ألذ من الذكريات!

أستسلم لـ(المشاكسة)، وهي تعيد على مسامع روحي كيف أهديتني أنت إياها صبيحة يوم عيد! 

وقتها كنت أركب أرجوحتي - المصممة على شكل قارب - واقفة، أثني ركبتيّ بكل طاقتي، كلما ارتفعت؛ كي تزداد ارتفاعاً، يطير ثوب العيد حولي فأصدق أنني صرت فراشة، طيات فستاني تحجب عني العالم بالأسفل؛ فأصدق أنني وصلت السماء، حلوى «المصاص» في فمي لا يبدو منها سوى عصا بيضاء صغيرة خارجه، لكنها كانت تبدو لي كمجداف قارب أحلامٍ كريم لن يصل أبداً إلى الشاطئ.. لكنني فجأة وقعت!

غدرت بي الأرجوحة.. وصارت فوقي ترتفع من دوني، اتسخ فستاني وجرحت ركبتي، وسقط «المصاص» من فمي، وتلوث بالتراب! 

كدت أبكي.. لكنك ظهرت كطيف أبيض يمسك مسبحته، وقد خرج لتوه من صلاة العيد، يدك التي بدت لي يومها كبيرة جداً أنهضتني من مكاني، وربتت على شعري، ثم أهديتني هذه العلبة من المثلجات!

لازلت أذكر ابتسامتك كـ(ضمادة كبيرة)، وحنان نظرتك يسكب الأمان في روحي.. وصدى كلماتك التي لا تهرم أبداً يدوي حولي، كأنما خلا العالم إلا منه:

«غداً تدخلين عالم الكبار فلا تصيري مثلهم.. يحزنون بكل ما أوتيت قلوبهم من مرارة، ولا يجيدون تذوق الفرح.. غداً ستسقطين من ألف أرجوحة، ويتسخ منك ألف ثوب، لكن لا تجعلي هذا يفسد يوم عيد.. شمس الفرح قاهرة تجيد غزو ألف ليل!».

تضحك (المشاكسة) داخلي، وهي تمر بي على المزيد من المحطات، تدخل بي بيت جدتي القديم صبيحة العيد؛ فأرى الأفران الموقدة، وأشم رائحة الكعك تصعد بي إلى سطحه؛ فأسمع التكبيرات من المآذن، تهبط بي أسفله لتشجعني على اللعب مع أولاد الجيران، تفرد راحتيّ لأتلقى (العيديات) من (الكبار)، ثم تدفعني لشراء الألعاب، تضحك وأضحك معها حتى يهدنا التعب فتنام هي؛ لأدرك أنها لن تستيقظ إلا صبيحة العيد القادم..

وأبقى هنا متيقظة أمام مرآتي.. ها قد صرت من (الكبار)، لكنني لم أنسَ نصيحتك.. لازلت أجيد إخفاء التنهيد خلف ضحكة عابثة، لازلت أجد للألوان عزفاً على فساتيني، لازلت أذكر مذاق حلوى «المصاص» الطازج دوماً في فمي، مهما غلفته مرارة الفقد، ولازلت أنتظر طيفك الحبيب يلوح لي بفخر من عالم بعيد؛ فأفرد له ذراعيّ باتساع الكون، أناشده بشوق: «أتأخذني معك؟!».