"عندما يفاخر الناس بإنجازات.. نحن نفاخر بأننا أبناء زايد الخير.. وعندما يتحدث الناس عن تاريخ نحن نتحدث عن تاريخ من الخير بدأ مع قيام دولتنا". 
أوجز المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان المنهج، الذي اختارته الدولة منذ بداية التأسيس، وحتى مرحلة التمكين؛ لتكون شاهداً على ميلاد دولة فتية، شابة في إنجازها، رشيدة خيرة في أقوالها وأفعالها. 
على خطى الوالد المؤسس، تسلم المغفور له الشيخ خليفة الراية في 4 نوفمبر 2004، وسار على النهج حتى يوم وفاته رحمه الله، لتنتقل الإمارات بما أنجزته في نحو 35 عاماً، هي مرحلة التأسيس، إلى مرحلة التمكين. 
في هذه الفترة القصيرة 18 عاماً، التي هي في عرف المخططين الاستراتيجيين والتنمويين مجرد خطتين تنمويتين.
تبوأت الإمارات مراكز الصدارة في مؤشرات التنافسية، المقياس المعياري لتقدم الأمم. وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة العربية، تحقق ذلك الإنجاز الضخم رغم صغر مساحتها وعدد سكانها. وخطت الإمارات بسجلها المشرف إلى مناطق أخرى يصعب اللحاق بها؛ فأصبحت أول دولة عربية وإسلامية تصل إلى المريخ، وواحدة من دول قليلة لها السبق في عالم الفضاء. 
لقد انعكس ما حققته الإمارات في مرحلة التمكين، التي تعد امتداداً لمرحلة التأسيس على حياة الناس، وعلى قطاع الأعمال؛ لتصبح الإمارات حلم كل من يبحث عن النجاح والاستقرار والعيش الرغد. بعد توليه الحكم، أطلق المغفور له الشيخ خليفة خطته الاستراتيجية الأولى لحكومة الإمارات، لتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، وضمان تحقيق الرخاء للمواطنين، منطلقاً سموه من أرضية صلبة، شيدها المغفور له الشيخ زايد، بجعل الإمارات منارة تقود شعبها نحو مستقبل مزدهر، يسوده الأمن والاستقرار. 
في عام 2009، أعيد انتخابه رئيساً للدولة، وبفضل قيادته الرشيدة تجاوز الأزمات المالية والقلاقل السياسية التي عصفت بالمنطقة مع انتهاج سياسة خارجية نشطة، تدعم مركز الدولة كعضو فاعل إقليمياً ودولياً. فكيف حققت الإمارات كل هذه الإنجازات الضخمة في مرحلة التمكين؟ 

في السطور التالية، نرصد حجم الإنجاز والتحديات:

1. القطاع الصحي: أولت القيادة الرشيدة القطاع الصحي اهتماماً خاصاً، وأغدقت عليه بحجم إنفاق كبير وصل أحياناً إلى 7% من حجم الميزانية الاتحادية. ويفسر حجم الإنفاق في الأعوام: 2016، 2017، 2018، 2019، 2020، ذلك، وهو 3.83، و4.2، و4.5، و4.4، و4.84 مليارات درهم على التوالي.. هذا الاهتمام. وقد آتت هذه السياسة ثمارها؛ عندما اختبر هذا القطاع بشكل جدي مع تفشي وباء "كورونا".. لقد أثبت كفاءة استثنائية، مدعوماً بحجم كبير من المستشفيات الحكومية والخاصة المجهزة بأحدث المعدات والكوادر الطبية. كما ساهم في تأكيد فاعلية هذا القطاع توجه الدولة إلى بناء المدن الطبية، مثل: مدينة الشيخ خليفة في أبوظبي، ومدينة دبي الطبية، ومدينة الشارقة. وبالتوازي مع هذا، حصلت غالبية المستشفيات الإماراتية على شهادات الجودة، أو المعادلة الدولية، وأصبحت الإمارات في مقدمة دول العالم بهذا القطاع. ويترجم هذا التطور في عدد المستشفيات الذي تضاعف مرات عدة منذ عام 1975، من 16 مستشفى، إلى 169 في 2020. وتدير هذه المستشفيات أطقم طبية عالية الكفاءة، بلغ عددهم - في 2020 - 8995 في القطاع الحكومي، و17136 في القطاع الخاص، مقارنة بـ792 طبيباً عام 1975. أما كادر التمريض، فبلغ في القطاع الحكومي 56045، في 2020، بزيادة نسبتها 252%، مقارنة بعام 1975. وبالتوازي مع ذلك، تولي الدولة التأمين الصحي عناية خاصة، وتوفره للمواطنين مجاناً، كما تقدم تغطية طبية شاملة لكافة الشرائح خاصة أصحاب الهمم وكبار السن، وأصدرت تشريعاً خاصاً يُعنى بأصحاب الهمم. في الوقت نفسه، حرصت الدولة على مواكبة القطاع الصحي بأحدث الابتكارات، في الإدارة والقطاعات الفنية والتنفيذية. وأطلقت حكومة الإمارات العديد من المبادرات، التي تشجع على الابتكار بشكل عام، والابتكار في المجال الطبي بشكل خاص، ومنها الاستراتيجية الوطنية للابتكار، التي تشجع على تقديم خدمات طبية باستخدام التكنولوجيا المتقدمة، وتطوير الصناعات الدوائية، وتنمية قطاع الأبحاث الطبية لعلاج الأمراض السائدة، وتأسيس صندوق تمويل الابتكار. وتعد الإمارات من بين دول قليلة حول العالم تستخدم تكنولوجيا الروبوتات الطبية في إجراء العمليات الكبرى كجراحات القلب والجراحات العامة، مثل الروبوت دافنشي. وفي عام 2017، بدأت الإمارات تشييد أول مركز لعلاج السرطان بتقنية "البروتون" في منطقة الشرق الأوسط والخليج. وبجانب ذلك، اعتبرت الإمارات من أولى دول العالم، التي استخدمت الروبوتات في قطاع الصيدلة.. فتم توظيف الروبوتات في صرف الوصفات الطبية دون تدخل بشري. وفضلاً عن ذلك تم تشييد ما يعرف بالغرف الذكية؛ لتقديم خدمات ترفيهية للمرضى، وربط ملفاتهم الطبية بالمستشفيات، بهدف تقديم رعاية شاملة وفاعلة. وحرصت الدولة، من خلال وزارة الصحة، على دمج الذكاء الاصطناعي في الخدمات الطبية، واستخدامه في أكثر من 100 مرفق، موزعة على إمارات الدولة. وتحتل الإمارات المركز الأول عالمياً في عدد المنشآت "المعتمدة"، وحاز أكثر من 85% من المستشفيات الاعتماد الدولي. لقد أسفر الإنفاق طويل المدى في القطاع الصحي عن جاهزية القطاع ومواكبته لأي تحديات، وأظهر نجاعة عالية في التعامل بشكل احترافي مع وباء "كورونا"، الأكثر خطورة في تاريخ البشرية. 

2. قطاع التعليم: يكشف حجم الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم إدراك القيادة الرشيدة لأهمية القطاعين في تحقيق التنمية المستدامة.. وبلغ حجم الإنفاق، من عام 2016 إلى عام 2020، نسبة تراوح بين 20 و22% من حجم الميزانية الاتحادية. والهدف الاستراتيجي المخطط لقطاع التعليم، هو توفير بيئة تعليمية راقية ذات جودة عالمية، تصب بالنهاية في تعزيز اقتصاد المعرفة. وبالنظر إلى حجم الموازنة المخصصة لقطاع التعليم في الدولة، وهي 10.41، و10.46، و10.40، و10.2، و6.536 مليارات درهم للأعوام ما بين 2016 - 2020، نجد أن النسبة تقترب من 15% في المتوسط من حجم الميزانية الاتحادية، وهي معدلات إنفاق عالية إذا قورنت بمثيلاتها دولياً وإقليمياً. وأدركت الدولة أن النظام التعليمي، الذي يعد قاطرة التنمية، ينبغي أن يرتكز على محددات، في مقدمتها كفالة وحق التعليم المجاني لكافة المواطنين، بل وأصبح التعليم، منذ عام 2012، إلزامياً في الدولة لكل من أكمل 6 سنوات حتى التخرج في المرحلة الثانوية.. وتعمق هذا مع صدور قانون "وديمة"، الذي يضمن حق الطفل في التعليم. وتؤكد استراتيجية التعليم في الدولة على بناء نظام تعليمي، قائم على استيعاب مهارات القرن الـ21، وتوفير نظام تعليم جامعي نوعي، ينافس أرقى الجامعات العالمية، واستشراف المستقبل، وتشجيع الابتكار، وتوسيع أعداد المستهدفين من الطلبة، وغرس ثقافة الابتكار في جميع الفئات التعليمية. وتعد مبادرة محمد بن راشد للتعليم الذكي، الصادرة عام 2012، نموذجاً في هذا الصدد، إذ تشمل جميع مدارس الدولة، وتهدف إلى خلق بيئة تعليمية جديدة في المدارس، تضم صفوفاً ذكية في جميع المدارس، وتزويدها بشبكات الجيل الرابع فائقة السرعة. وبالنظر إلى الفترة، من عام 1973 إلى الوقت الراهن، نستشعر حجم الجهد والإنجاز المتحقق على الأرض.. ففي عام 73، كانت الدولة تدير 110 مدارس، تضم 40 ألف تلميذ. أما في عام 2007، فقد وصلت نسبة أعداد المتعلمين إلى 88.7%. وتؤكد رؤية الإمارات 2021 ضرورة الوصول بالتعليم في الدولة إلى أعلى المستويات بالعالم، واتباع نظام ذكي كهدف أساسي. كما تؤكد الرؤية أن السنوات القادمة ستشهد تحولاً كاملاً في أنظمة التعلم والتعليم، تقودها أنظمة التعليم الذكي، وتعزيز الالتحاق بمراحل رياض الأطفال، وتشجيع خريجي المرحلة الثانوية على الالتحاق بالتعليم الجامعي. وإجمالاً، تقوم استراتيجية التعليم في الدولة على ضمان تعليم متكافئ، وضمان جودة وكفاءة الأداء التعليمي المؤسسي، وتعزيز البحث العلمي، وتشجيع الطلبة على الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي، وترسيخ نظام الابتكار، وتشجيع ودعم التعليم الذكي. ولتحقيق النجاعة اللازمة لهذه الاستراتيجية، جرى التأكيد على أهمية العنصر البشري، وهو هنا المعلم جناح العملية التعليمية.. فقد ألزمت الدولة المدرسين بالحصول على رخصة المعلم، التي أصدرتها الوزارة عام 2017؛ لرفع مستوى المعلم، ومسايرة المقاييس العالمية. وبالتوازي مع تلك الاستراتيجية، فإن استراتيجية التعليم العالي 2030، تؤكد كذلك على تعزيز مهارات الطالب الفنية والعلمية، دعماً لنمو القطاع الاقتصادي القائم على المعرفة.