أسدل الموسم الدرامي الضخم الستار على آخرة حلقات الأعمال الدرامية الكثيرة قبل أيام قليلة، تاركاً خلفه ذكريات جميلة لمسلسلات وأعمال سنذكرها جيداً في المستقبل، وأخرى مرت مرور الكرام. وبالطبع ليس نجوم الشاشة وحدهم من نجحوا أو أخفقوا في هذا الموسم المليء بالأعمال الدرامية، بل الفنيون والكتّاب والمخرجون منهم من برز، ومنهم من لم يستطع الوصول إلى حافة النجاح الفني أو الجماهيري، وقد تفاوتت سوية الأعمال بمختلف فئاتها، وتناوب بعضها على المركز الأول في المنصات الأشهر عربياً.

 

 

 

برزت في الدراما المصرية مسلسلات عدة هذا العام، ولعل مسلسل «الاختيار 3» كان نجم الموسم؛  بسبب أحداثه وظهور النجم ياسر جلال بشخصية الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي، وقد أجاد جلال الدور بشكل مميز، خاصة من جهة أداء الصوت، وقد أشار إلى ذلك بأنه كان يسجل المشاهد صوتياً قبل تصويرها؛  ليتدرب عليها، وهذا الجهد المضاعف لم ينقص من أدائه شيئاً، بل ربما ساعده على تقديم شخصية رائعة ومتكاملة. أما المسلسل الآخر الذي تجب الإشادة به، فهو مسلسل «جزيرة غمام»، وهو واحد من أهم المسلسلات في موسم دراما رمضان 2022، إذ يحفل العمل بالعديد من العناصر الفنية المميزة، التي أضافت الكثير إلى النص الدرامي المتميز والمتماسك، الذي صاغه الكاتب عبدالرحيم كمال، وهو الأمر الذي أدركه المخرج الموهوب حسين المنياوي، وعمل عليه بجدية شديدة، وأطلق العنان لخياله لتحويل النص الدرامي إلى صورة درامية غنية مليئة بالتفاصيل، واختيارات جيدة لنجوم العمل جميعهم دون استثناء، سواء من جسدوا أدواراً مساعدة أو البطولة، حيث ظهروا في أفضل حالاتهم، وهو من بطولة: طارق لطفي، وفتحي عبدالوهاب، ومي عزالدين، وغيرهم.

وقدم المخرج محمد سلامة عملاً لافتاً ومبهجاً، هو مسلسل «راجعين يا هوى» من تأليف محمد سليمان عبدالمالك، حيث ظهر فيه نجوم العمل بأحسن حالاتهم، وقدموا أفضل أدائهم بسلاسة ونعومة، بدءاً من النجم خالد النبوي، وأنوشكا، وأحمد بدير، وإسلام إبراهيم، والنجوم الشباب المشاركين في العمل، وتمكن مدير التصوير محمد مختار، مع المخرج محمد سلامة، من صنع هوية بصرية للعمل، واختيار زوايا شديدة التميز، بين جمالية الحي العريق، وقصر «أمين وفطين أبو الهنا»، والدرجات اللونية والمشاهد التي تعكس الخلاف والفراق بين العائلتين من خارج القصر، ومنزل العم صابر الذي جاءت مشاهده تحفةً فنيةً.

 

 

 

ولعل مسلسل «بطلوع الروح» هو أحد التحديات التي يخوضها نجوم العمل؛  لأنهم كشفوا بعضاً من خفايا عالم تنظيم داعش المرعب، فأحداث العمل تتوالى من خلال سرد درامي سلس وتشويقي جداً، إنه أسلوب كاملة أبو ذكري، ومعها عين خاصة تركز على التفاصيل لصنع صورة شديدة الثراء، تعكس واقعية العمل، مثل: شكل الشوارع والمحال، وبيوت كبار التنظيم، ومقارنتها ببيوت ضيافة الأرامل، فكلها مشاهد مصنوعة بذكاء (تدخين النساء في السر، ومشهد الكوافير، ومشهد روح وأكرم وهما يحتسيان الخمر قبل ذهابه إلى الغزوة). وللكتابة دور كبير في جذبنا إلى مناطق جديدة، والتساؤل الحتمي حول بعض الشباب المتعلمين، الذين يتحولون إلى متطرفين.

كاملة، ومعها الكاتب محمد هشام عبية، ومديرة التصوير نانسي عبدالفتاح، ونجوم العمل: منة شلبي، وأحمد صلاح السعدني، وإلهام شاهين، ومحمد حاتم، إلى جانب عدد كبير من النجوم العرب، يقدمون عملاً كاشفاً الكثير من الحقائق الصادمة، ومليئاً أيضاً بالجماليات على مستوى الصورة وثرائها، وتأثيرها الدرامي وإدارة النجوم.

وأخيراً.. لا بد من الإشادة بالنجاح الذي حققه الموسم السادس من المسلسل الكوميدي «الكبير أوي»، ونجمه أحمد مكي، من إخراج أحمد الجندي. 

 

 

من الخليج إلى العالم العربي

قدمت الدراما الخليجية مجموعة متنوعة من الأعمال، بعضها بقي متعلقاً بالأسلوب التقليدي القديم للعمل الدرامي، ومنها ما حاول الخروج من عنق الزجاجة، ولعل واحداً من هذه الأعمال المميزة كان مسلسل «الزقوم»، الذي عرضه تلفزيون أبوظبي، وقدم صيغة متوازنة بين العمل المعاصر والتراثي، حيث يحكي العمل عن فترتين زمنيتين مختلفتين، وبرزت النجمة هيفاء حسين في دور السيدة الشريرة، الذي أدته ببراعة واحترافية.

لكن أبرز الأعمال الخليجية، كان مسلسل «من شارع الهرم إلى»، وهو من إنتاج «إيغل فيلمز»، وربما أسهم دخول المنتج العربي المتمرس في تقديم خلطة الأعمال العربية المشتركة، بشكل أو بآخر، في نقل الدراما الخليجية لمنافسة الدراما العربية، وبرزت في هذا العمل الذي تصدر «الترند»، وقوائم الأكثر مشاهدة طوال مدة عرضه، النجمة الكبيرة هدى حسين، التي قال الكثيرون عنها إنها أزاحت سيدتَي الشاشة الخليجية: سعاد العبدالله وحياة الفهد؛  لتتربع هي على الصدارة هذا العام. والحقيقة أن الدور الذي قدمته كان مميزاً ومختلفاً وجديداً خاصة في الدراما الخليجية، وبرزت أيضاً إلى جانب هدى حسين، وفي المسلسل نفسه النجمة المصرية نور الغندور، التي قدمت واحداً من الأدوار الجريئة خليجياً، ولا بد أيضاً من الإشادة بأداء جميع نجوم المسلسل، خاصة الأطفال الصغار الذين أعطوا العمل عمقاً وبعداً جميلاً، والمسلسل من إخراج المثنى صبح، الذي ينجح دائماً في تقديم هذه الخلطة الاجتماعية الصعبة والمميزة.

 

 

الوضع السوري

من أكثر الأعمال إثارة للجدل عملان من الدراما السورية، تناولا الوضع السوري، خاصة بعد الأزمة التي تعيشها سوريا منذ 11 عاماً: الأول هو مسلسل «كسر عضم» الذي أخرجته المبدعة رشا شربتجي، وانفردت قناة أبوظبي بعرضه، ونجح كل ممثليه في لفت الأنظار إلى أدائهم المميز، لاسيما الكبير فايز قزق، الذي قدم شخصية «الحكم الصياد»، المسؤول الفاسد الذي لا تهمه إلا مصالحه الشخصية، ولعل مشهد وداع ابنه المنتحر «الرائد ريان»، الذي قدمه الفنان سامر إسماعيل، في الحلقة العاشرة من المسلسل، هو واحد من أبرز مشاهد الدراما العربية هذا العام. أما المسلسل الآخر، فهو من إخراج سيف سبيعي، الذي لم يخرج في الشكل العام لمسلسله لهذا العام «مع وقف التنفيذ» عن حالة رصد طبيعة المشهد السوري، وحياة الإنسان البسيط، وقد أبدع كعادته الفنان فادي صبيح في تقديم شخصية مميزة، نالت الكثير من الاستحسان، من النقاد الفنيين والجمهور العادي.