في رحلة مستنيرة، حقق فيها الوجود الإنساني فعلاً إبداعياً، يعولم التشكيلي السوداني، الدكتور راشد دياب، جماليات التراث المحلي، عبر لغة بصرية غاية في الإبهار، تتمهلها الذائقة العالمية لتنشئ تواصلاً فريداً مع الثقافة السودانية، التي لطالما احتفت بالتنوع والتعدد الإثني، الذي كوَّن فسيفساءها، وعزفت تجربته في مهجره بإسبانيا، المكملة لمشروعه المعرفي بين أهله، سيمفونية ضاجة بالعطاء الفني؛ فنمنمت أعماله - التي خبأت الدهشة في تفاصيلها - معنى استثنائياً لحياته خاصة، وللمشهد الجمالي عامة.. «زهرة الخليج» التقت التشكيلي السوداني؛ فتحدث عن أسرار فنية وتشكيلية في هذا الحوار:

تتجلى أهم ملامح تجربة الفنان التشكيلي راشد دياب الفنية، في مشروعه الذي يحتفي فيه بدور المبدع السوداني الفاعل، فيوضح: «من المهم أن تكون للفنان بصمة في مجتمعه، ويرتقى به عن طريق الفنون إلى عوالم نابضة بالحياة، تعكس جماليات تراثه المحلي، إضافة إلى إعادة إنتاج هذا التراث محلياً وعالمياً، برؤية حداثية وإيقاع عالمي، بحيث يشارك في اكتشاف جماليات فضائه، وما يتميز به من تعدد ثقافي ونوعي».

وعن مدى استفادته من الإرث الجمالي السوداني في أعماله، يقول دياب: «لطالما شكلت الحياة السودانية - بألوانها المختلفة، وصورها الزاهية - مصدراً ثرياً لإلهامي، ومنهلاً لإرواء الشغف لديَّ، ودافعاً للإبداع». مؤكداً أن «التشكيل - في نظره - نحت على صخور الذاكرة الوطنية، ليظل وجدان الناس حياً بقيم الخير والتواصل، وأداة تعيد صياغة الفعل الثقافي على اتساق مفاهيم التمازج بين المتعدد والمتنوع».

قِيَم.. وتعبير

يلفت دياب إلى تطور مفهوم التراث في أعماله، قائلاً: «عبر قناعتي بأهمية الفن في إحداث التغيير الثقافي والفني، ودور المثقف في الإسهام الفاعل في هذا التغيير، تناولت التراث السوداني بإعطاء القيمة الأخلاقية تعبيراً لونياً، يشد أواصرها إلى حركة الحياة من جديد، فقيمة مثل التسامح الراسخة في نفوس السودانيين، جعلتُ لها تعبيراً بصرياً؛ لتصير أحد مكونات المعيش اليومي، في اتجاه يجعل المعرفة الصوفية مرجعاً تخيلياً يمتح منه الوجدان».

إقرأ أيضاً:  محمد مندي: في الغرب يعشقون الخط العربي
 

ويستطرد التشكيلي السوداني: «هذا من شأنه أن يسهم في سؤال الهوية الذي تبحث الثقافة عن إجابة له، وفي حالتنا السودانية التي تدور في فلك متأرجح بين (العربانية) و(الزنجية)، يختلط الرافدان في بوتقة تتشكل منها الهوية، مستفيدةً من عطاء الحضارتين الأفريقية والعربية».

ويؤكد دياب أن خبرته الممتدة قاربت مفردات لغة بصرية، ميزت أسلوبه التشكيلي، بالقول: «لأنني جعلت من التراث متكأ تشكيلياً شكل لي أفقاً تجريبياً، كما مكن ذلك مفرداتي البصرية من الاندياح، مؤكدة استثنائية التعبير الذي  صار لهباً، يُنضج لغتي من خلال تراكم منجزاتي».

حضور المرأة

وعن سر الحضور الكبير للمرأة السودانية في أعماله، يكشف دياب: «المرأة تمثل أساس الحياة والمجتمع، والنساء اللواتي أرسمهن بزيهن السوداني، الذي يعرف بـ(الثوب)، يمثلن رموزاً ملهمة لأعمالي، ويشرن إلى حقيقتنا الذاتية، ويعطين معنى أعمق من فهمنا السطحي لوظيفتهن عندما أرسمهن، ولا أسعى لتوضيح مفهوم ما، بقدر ما أحاول أن أجد المعنى بعد أن أنتهي».

إقرأ أيضاً:  طه حسين.. بصيرة بلا بصر
 

وعن أحب أعماله إلى قلبه، يلفت دياب إلى أن من بين جميع اللوحات التي رسمها، مستوحياً موضوعاتها من الشعر، هناك تجربة مميزة له مع الشاعر والدبلوماسي السوداني، صلاح أحمد إبراهيم، يقول عنها: «اللوحات التي رسمتها عن قصائده، خاصة عن مدينة أم درمان، لها مكانة خاصة لديَّ، فشعره شمس تشرق في كل جوانحي، ومدد يحرك كل ساكن فيَّ».

  • الدكتور راشد دياب

دياب في سطور

• نال التشكيلي السوداني، الدكتور راشد دياب، درجة الأستاذية في الرسم من كلية الفنون الجميلة بجامعة كمبلوتنسي - مدريد عام 1983.

• حصل على درجة الماجستير في التلوين من جامعة كمبلوتنسي - مدريد عام 1984، وماجستير في الحفر من الجامعة نفسها عام 1986.

• حصل على درجة الدكتوراه حول فلسفة الفنون السودانية، من جامعة مدريد المركزية في إسبانيا عام 1991، وعمل أستاذاً بالجامعة نفسها.

• شارك في عدد كبير من البيناليات والفعاليات الثقافية في أنحاء العالم، وله العديد من المعارض الداخلية والعالمية، ومقتنيات في معظم دول العالم، ومتاحفها، والمقتنيات الخاصة.

• مؤسس «غاليري دارا»، ومركز راشد دياب للفنون بالخرطوم، ومؤلف كتاب «تاريخ الفن التشكيلي في السودان».