يؤدي التعرض لتجارب مؤلمة في سن الطفولة للعديد من الأمراض الخطيرة، وقد يتعرض الإنسان معها لخطر الوفاة المبكرة، وتزداد المخاطر مع زيادة معدل التعرض لهذه التجارب في الطفولة.

تجارب الطفولة الضارة (صدمات النمو Developmental trauma)، هو مصطلح يستخدم لوصف صدمات الطفولة، مثل: الإساءة المزمنة أو الإهمال أو أي محنة قاسية (مثل: المرض المهدد لحياتهم أو حياة الأهل أو الموت) أخرى يتعرض لها الأطفال في بيوتهم أو بيئات تنشئتهم.

عندما يتعرض الطفل للإجهاد الساحق، ولا يجد مساعدة وحماية من مقدم الرعاية، أو حين يكون مقدم الرعاية هو نفسه سبب الإجهاد، فإن الطفل يعاني من صدمة إنمائية.

ومعظم الأطباء على دراية بمصطلح "اضطراب كرب ما بعد الصدمة" (PTSD)، لكن الغالبية العظمى من الأطفال المصابين الذين تعرضوا لتجارب الطفولة الضارة في طفولتهم لن يصابوا باضطراب كرب ما بعد الصدمة، وبدلاً من ذلك، فإنهم معرضون لخطر الإصابة بمجموعة من الأمراض العاطفية والمعرفية والجسدية المعقدة التي تدوم طوال حياتهم، وذلك حسب دراسة موسعة قام بها مركز السيطرة على الأمراض في نهايات القرن الماضي، بحسب موقع cdc.gov.

ومن أبرز أنواع تجارب الطفولة الضارة
 صدمات النمو أو تجارب الطفولة الضارة هي صدمات عائلية مزمنة، مثل: إصابة أحد الوالدين بمرض عقلي، أو فقدان أحد الوالدين بسبب الطلاق أو الهجر أو السجن أو الموت، أو مشاهدة العنف المنزلي أو المدرسي أو أثناء الحروب والأزمات، أو عدم الشعور بالحب والغياب العاطفي للوالدين، أو عدم الشعور بأن الأسرة قريبة، أو عدم وجود ما يكفي من الطعام أو الملابس النظيفة، وكذلك الإساءات اللفظية أو الجسدية أو الجنسية. 

وقد تم بحث تأثير هذه الخبرات على نطاق واسع، في دراسة موسعة ضمت أكثر من خمسة عشر ألف بالغ، وهي دراسة مشهورة تعرف باسم دراسة أحداث الطفولة الضارة (ACEs).

 

 


تجارب الطفولة الضارة تؤدي إلى أمراض مدى الحياة

هذه الدراسة، التي بدأت في عام 1995 في ولاية كاليفورنيا، وما زالت مستمرة حتى الآن لرصد التغيرات الصحية التي تطرأ على المشاركين بشكل دوري، هدفها استكشاف العلاقة بين صدمات النمو والأمراض الجسدية والعقلية، وطُلب من البالغين تذكر تجاربهم في الحياة المبكرة، وحددوا "درجة خبرات الطفولة الضارة"، بناء على عدد التجارب التي تعرض لها الشخص في طفولته.

وأوضحت الدراسة أن البالغين الذين تعرضوا لمعدلات أعلى من التجارب الضارة في طفولتهم لديهم معدلات أعلى من المشكلات الصحية الجسدية الخطيرة، والسلوكيات الصحية العالية المخاطر، والمرض المبكر والوفيات، ومن المدهش أن بيانات هذه الدراسة، والبيانات آلاف الدراسات الصحية الأخرى التي تم جمعها منذ عام 2010، تظهر وجود علاقة قوية بين جرعة الخبرات الضارة والنتائج السلبية على الصحة، وهذا يعني أنه كلما ازداد عدد صدمات النمو التي عانيت منها في الطفولة، كلما ازداد عدد الأمراض التي ستعاني منها بعد البلوغ، وتستمر هذه الآثار حتى بعد السيطرة على المخاطر وحتى بعد الابتعاد عن البيئة المسيئة.

وقائمة الأمراض والمشكلات السلوكية التي تزيد مع التعرض للمزيد من خبرات الطفولة الضارة طويلة وممتدة، وعلى سبيل المثال تزيد احتمالية التدخين وإدمان الكحول والأدوية، كما تزيد معدلات عدم الاستقرار في عمل، وتفضيل عدم الحركة والحياة الساكنة الكسولة.

ومن الأمراض وجد أن الأشخاص الذين تعرضوا لخبرات الطفولة الضارة أكثر عرضة للسمنة والسكري وأمراض القلب والسرطانات، والسكتة الدماغية، والأمراض المناعية، ومشكلات الجهاز التنفسي، وأيضاً المشكلات النفسية، مثل: الاكتئاب واضطراب القلق العام والميول الانتحارية.. إلخ. 


والفئات المعرضة لتجارب الطفولة الضارة
 تعتبر نتائج هذه الدراسة مهمة ليس فقط للصلة بين صدمات وخبرات الطفولة وبين سوء الصحة، ولكن أيضًا بسبب طبيعة السكان الذين تمت دراستهم، حيث شكل البيض والطبقة المتوسطة النسبة الكبرى من عينة الدراسة، ومستويات التعليم مرتفعة، ورغم ذلك توضح البيانات أن معدلات التعرض لخبرات الطفولة الضارة مرتفعة بشكل ملحوظ، وراوحت نسبة من يحصلون على معدلات 3 أو أكثر بين 15 - 20%، وتتحدى هذه البيانات فكرة أن الصدمة تحدث فقط داخل مجموعات معينة مهمشة أو "معرضة للخطر".

 

إقرأ أيضاً: سمنة الأطفال.. هالة من المضاعفات الخطيرة