رغم شيوع الحديث عن "اكتئاب ما بعد الولادة" عند النساء، وما يمررن به من تغيرات هرمونية ومشقة في الحمل والولادة وتأثير هذه العوامل على الحالة النفسية والذهنية، فإن الكثير من الناس يتجاهلون نقاش إمكانية معاناة الآباء أيضاً "اكتئاب ما بعد ولادة زوجاتهم"!

فقد وجدت دراسة سويدية، شملت 447 من الآباء السويديين المتطوعين، أن 28% منهم لديهم أعراض مستويات اكتئاب أعلى من المتوسط، و4% لديهم اكتئاب معتدل. وأن 1 من كل 5 آباء ممن يعانون الاكتئاب طلبوا المساعدة، رغم أن ثلثهم انتابتهم أفكار تتعلق بإيذاء الذات. ويعاني ما يقرب من 1 من كل 20 رجلاً من الاكتئاب أثناء حمل الزوجة، ونحو 1 من كل 10 رجال من اكتئاب ما بعد الولادة.

وقد لا يظهر اكتئاب ما بعد الولادة، دائماً، بوضوح عند الرجال، فبينما تتمثّل الصورة الشائعة في الأذهان عن الاكتئاب أنه شعور بالحزن الغامر مع مزاج سيئ وبكاء مستمر، ويتم تصور أن النساء يملن إلى توجيه مشاعر الحزن والخوف للداخل عبر البكاء، فإن الرجال وعلى العكس، يعبرون عن كآبتهم من خلال نوبات الغضب غير المعتادة والعدوانية والتصرفات العنيفة، ما يدخلهم في دائرة من الشعور بالذنب والخجل.

في كتابه "What Men Don’t Tell Women about Business: Opening Up the Heavily Guarded Alpha Male Playbook"، يعترف كريستوفر فليت بأن الرجال لا يُعبّرون عن مشاعرهم ببساطة: "لقد تعلمنا أن من الضعف أن يُعبّر الرجل عن مشاعره، نكبر محاصرين بجملة (الرجال لا يبكون!). وإن حدث هذا فنادراً ما نعترف به. لدينا مشاعر لكننا لا نظهرها، نتربى على أن نعيش حياة مزدوجة بوجهين، وجه نبديه أمام العالم، لا يظهر عليه الضعف، ووجه آخر خفي بعيداً عن أعين الآخرين، فكلنا سمعنا جملاً، مثل: (الرجل لا يبكي)، أو (تحدّث مثل الرجال)".

ويبدأ هذا الانفصال في عالم الرجال منذ طفولتهم المبكرة، فبينما يعبر الطفل في الحضانة بالبكاء عند الانفصال عن أمه، يختفي هذا بالتدريج مع وصوله للمرحلة الابتدائية، حيث يتعرض للوصم والسخرية والتنمر إذا بكى أمام رفاقه، وللتعنيف من الكبار بالعبارة الشهيرة: "الرجل لا يبكي".

ويعد الشعور بالإرهاق والارتباك والتوتر بعد ولادة الطفل جانباً طبيعياً من جوانب الأبوة، ومع ذلك إذا استمرت الأعراض أو إذا تداخلت مع الحياة اليومية أو القدرة على رعاية الطفل فقد يكون اكتئاب ما بعد الولادة، هذا يعم الآباء والأمهات.

إقرأ أيضاً:  ضعي هذه المكونات في عصيرك لبشرة متألقة
 

العديد من أعراض "اكتئاب ما بعد الولادة" مرادفة لاضطراب اكتئابي كبير، وتختلف الأعراض من شخص لآخر، وقد تواجه البعض، وليس الكل، ويمكن أن تختلف في الدرجة.

بالنسبة للرجال الذين يعانون "اكتئاب الأب"، هذه بعض الأعراض الشائعة، وفقاً لموقع Postpartum: تغير كبير في الشهية، تغير الوزن، عدم القدرة على النوم، الأوجاع أو الآلام غير المبررة، فقدان الطاقة، الشعور بالقلق أو الغضب، فقدان الاهتمام أو الاستمتاع بالأنشطة، الشعور بالحزن أو اليأس، الشعور بعدم القيمة أو بالذنب، القلق المفرط، عدم القدرة على التركيز أو اتخاذ القرارات، تغيرات مفاجئة في المزاج، خواطر انتحار أو موت، وأفكار لإيذاء الطفل.

وغالباً، يتم فحص النساء من قبل الطبيب، للكشف عن "اكتئاب ما بعد الولادة"، لكن الرجال لا يخضعون لذلك، كما أن النساء أكثر عرضة للإبلاغ عن أعراضهن، وهذا هو السبب في أن "اكتئاب ما بعد الولادة" لدى الرجال يمكن ألّا يتم تشخيصه أو علاجه.

ويشبه علاج "اكتئاب ما بعد الولادة" علاج الاكتئاب السريري. واعتماداً على حالتك وشدة اكتئابك، قد يتم وصف الأدوية أو العلاج أو مزيج من الاثنين معاً.

مثبطات امتصاص السيروتونين (SSRIs) هي أدوية شائعة الاستخدام لعلاج "اكتئاب ما بعد الولادة"، ويمكن أيضاً استخدام مضادات الاكتئاب والأدوية الأخرى للرجال المصابين بـ"اكتئاب ما بعد الولادة".

وإذا تسبب الدواء في آثار جانبية غير مرغوب فيها، أو إذا تفاقم الاكتئاب، فسترغب في إخطار مقدم الرعاية الصحية الخاص بك، لإجراء تعديلات، أو البحث عن خيارات علاج بديلة.

والعلاج السلوكي المعرفي (CBT)، والعلاج الشخصي (IPT) من العلاجات النفسية المعروفة لتخفيف أعراض "اكتئاب ما بعد الولادة"، لكن معظم الرجال يفضلون العلاج الفردي.

إقرأ أيضاً:  هكذا تنجين من حساسية البيض
 

وبغض النظر عن العلاج المفضل، يمكن للرجال الاستفادة من مجموعات الدعم أو الفصول التعليمية، خاصة إذا كان الشريكان يعانيان أيضاً "اكتئاب ما بعد الولادة"، أو إذا كانا يفتقران إلى الدعم من الأصدقاء أو العائلة أو أفراد المجتمع.

وعندما يعاني الرجال "اكتئاب ما بعد الولادة"، يمكن أن يؤثر ذلك في قدرتهم على العمل والرعاية المناسبة لشريكهم وطفلهم.

بالإضافة إلى الحفاظ على عادات الرعاية الذاتية الصحية، التي يمكن أن تشمل التأمل أو العلاج، يمكنك القيام بما يلي: ممارسة الرياضة بانتظام، تناول الأطعمة الصحية، الحفاظ على عادات نوم صحية، التحدث عن المشاعر والتعبير عنها، التحدث إلى معالج، أو الانضمام إلى مجموعة دعم من الآباء الآخرين.