لذة العيش صحّة وشباب، لكن الشباب يزول والصحة تتلاشى، والخلايا تموت. وكثيرون يتساءلون: كيف يمكن تأخير الشيخوخة وإطالة العمر بلا مرض وألم؟.. جميعنا فكّر في العمر الثاني والثالث، ويحلم بما لم يتمكن من حصاده في البدايات. جميعنا ننظر إلى المرآة ونتحسس الخطوط الرفيعة والأكثر سماكة ونحاول إخفاءها.. جميعنا نسأل: هل بيدنا حيلة لنبقى شباباً لفترة أطول؟ الجواب: نعم. لكن كيف؟ هل لدى أخصائيي علم الأمراض والطب الوقائي أجوبة؟

الإنسان بطبيعته يتمسك بالحياة، والحياة شباب، والشباب نشاط وعمل وجهد ومستقبل. هنا، يأتي دور الطب الوقائي القادر، ليس على اجتراح المعجزات فقط، بل على دفع الإنسان ليتدارك مسببات الشيخوخة المبكرة والعجز المبكر والموت المبكر. أخصائية علم الأمراض والطب الوقائي، الدكتورة ليلى لحود رشدان، تلفت إلى وجوب الانتباه إلى بوادر الإشارات التي تسبق المرض، وتقول: «لكل شخص خصوصية معينة؛ لهذا لا نطلب من الجميع إجراء نفس الفحوص المخبرية، ولا نتعامل مع جميع الأشخاص بالطريقة نفسها، أي بعائلة الدواء ومعاييره نفسها. لذا، نحاول الآن استكشاف الخلايا قبل ظهور الأعراض والمرض».

 

 

 

تفاعل الجينات

يعمد كثير من أخصائيي الطب الوقائي إلى طرح الأسئلة نفسها، التي يعتمدها عادة الطب الكلاسيكي، حول السيرة الذاتية، وسيرة العائلة المرضية، قبل بدء العلاج. والفحص الأول والأهم الذي بات يطلبه هو فحص الجينات، تقول الدكتورة رشدان: «هو فحص يُجرى مرة واحدة في الحياة، نكتشف فيه جينات معينة تختلف من شخص إلى آخر، ووفقاً للنتيجة نعرف الطريقة التي علينا التعامل بها معه، وكيفية تفاعل الجسم مع المحيط ونظام الغذاء والنوم والرياضة، ونقاط القوة والضعف، فنعمل على تنشيط ما هو قوي، ونعالج ما هو ضعيف. وهذا الفحص بسيط ويُجرى إما عبر اللعاب أو الدم. وتأتي نتيجة التحليل لتُظهر كيف تتفاعل، أو قد تتفاعل، الجينات التي جرى تحليلها مع صحة الإنسان داخلياً في المستقبل، على أن تعطى للشخص الإرشادات التي تقيه براثن المرض لاحقاً».

الطب الوقائي يعطي فكرة دقيقة وواضحة حول كيفية الوقاية من المرض وأعراضه مع التقدم في العمر، وهذا يسمح للإنسان بالبقاء بصحة جيدة مدة أطول.

إرادة التغيير

لا يكفي أن يعرف الإنسان أنه سيكون معرضاً للإصابة بمرض معين بعد سنة أو أكثر. الأهم، بالنسبة لأخصائية الطب الوقائي «أن تكون لدى الإنسان إرادة تغيير النظام الحياتي الذي يعتمده. فالطب الوقائي ينجح إذا اقترن باتفاق بين الطبيب والمريض. وواجبٌ على كل واحد منا أن ينتبه إلى صحته. فالصحة ثروة مثلها مثل الرصيد المصرفي الذي يتراكم إذا استثمرنا فيه، وينقص إذا أسأنا التعامل معه». وتلفت رشدان إلى وجوب «ألا نتفاجأ إذا كانت لدينا سيرة عائلية مع مرض القلب وأصبنا به»، وتقول: «لا تتساءلوا لماذا حصل ما حصل معنا؟ فقد تحدث داخلنا تحولات كثيرة لا نشعر بها في حينها. إنها مثل جبل الجليد الراكد على مستنقعات وهدير المياه، فليس كل ما هو ساكن هادئ سليماً، فالسكري، على سبيل المثال، يظهر فجأة، ويبدأ بالتراكم في الجسم قبل ظهوره بكثير».

ضروري جداً أن نبدأ بالتفكير صحياً؛ إذا أردنا تأخير الشيخوخة. والطب الوقائي ليس طباً بديلاً، بل هو طب كلاسيكي لكنه يرتكز على تحاليل ودراسات ووقاية. إنه قادر، عبر تحليل الجينات المبكر، على إدراك وفهم عمل الخلية، ومدى تفاعلها مع خيارات صحية مختلفة وإبطاء التقدم في العمر وظهور الأمراض. والطب الوقائي أصبح قادراً، من خلال تحليل الخلية، على معرفة احتمالية الإصابة بمرض معين. وبذلك يمكن إطالة العمر، وجعله أفضل بنوعية حياة جيدة. وما يفترض معرفته أن الطب الوقائي شخصي، فما يصلح لشخص قد يتعارض مع آخر. ويمكن من خلاله معرفة ما إذا كان الغذاء الذي يتناوله شخص معين متكاملاً وصحياً، ومعرفة نوعية تطور الخلايا، ومدى تركّز المواد المؤكسدة فيها.

 

 

تأخير الشيخوخة

هناك فيتامينات تفيد في تأخير الشيخوخة بينها، بحسب أخصائية الطب الوقائي: فيتامينات (A، وC، وE)؛ إذ إنها تساعد في تخفيف السموم بالجسم. والطبيب وحده من يحدد المدة التي يفترض تناول الفيتامينات فيها، بحسب الجسم وتحليل الخلايا والعمر. ويفترض بالإنسان أن ينتبه إلى نسبة الالتهابات في الجسم؛ لأنها تؤثر فيه سلباً. والرياضة يفترض أن تكون أيضاً أولوية. والشباب الدائم لا يكون في الشكل وحسب، بل بالانتباه أيضاً إلى ما يدور في الجسم من تغير وتطورات. فالوقت لا يمكن إيقافه والتقدم في العمر لا يمكن الهروب منه، لكن يمكننا الانتباه إلى خلايانا؛ إذا أردنا تأخير ظهور الشيخوخة، ويحدث ذلك بشرب المياه، والنوم بشكل كافٍ، وبنوعية جيدة، وبعدم التدخين، وطبعاً ممارسة الرياضة. 

البشرة تتأثر، أيضاً، بتقدم العمر؛ لذا يجب الانتباه إلى عدم تعريضها كثيراً للشمس، ووضع الواقي من أشعتها وترطيبها صباحاً، ووضع السيروم (الأمصال) مساء، والترهل يظهر تدريجياً على الوجه، ومثله الهالات السوداء، وهناك علاجات متاحة لتعزيز «الأسيد»، الذي تفقده البشرة من أجل تحفيز عمل الخلايا. وهنا، يفترض الانتباه إلى اختيار المراهم الخالية من المواد الكيميائية.

اختيار نوعية الطعام الجيد مهم جداً لتأخير الشيخوخة، ويتحقق ذلك بالتقليل من الغذاء المُصنّع، وتفادي السكر والملح والطحين الأبيض واللحوم الحمراء. الناحية النفسية السليمة، والإيجابية ضرورية أيضاً، فهي تساعد على تأخير الشيخوخة. وهنا، لا بُدّ أن نتذكر أن الأرق المستمر يؤدي إلى ارتفاع نسبة الالتهابات في الجسم والإرهاق والأوجاع المزمنة. بكلام آخر، نحتاج إلى إطالة عمر الخلايا؛ كي نحافظ على شبابنا، ويتحقق ذلك بتفادي المواد المؤكسدة والرياضة وخسارة الوزن الزائد. ويمكن من خلال اختبار الدم ملاحظة أن العمر البيولوجي للشخص ينخفض بعد بدء العناية بالصحة. وهذا، كله، يُظهر لماذا يبدو شخص في الأربعين مرهقاً تعباً مسناً، في حين يبدو آخر، بنفس العمر، حيوياً شاباً ومليئاً بالحياة.. فابقوا شباباً وشابات، أنتم أيضاً، مدة أطول.