لا يوجد أحد، على الأغلب، إلا وسمع بسحر وجمال البندقية، التي تعرف كذلك باسم المدينة العائمة، التي تغنى بها الجميع، وأقيمت مدن كاملة تحاول محاكاتها، لكن دائماً يوجد من يدفع ثمن هذه الشهرة، فالمدينة الإيطالية العريقة، وبشكل غريب، تشهد تناقصاً كبيراً في عدد سكانها، رغم الدخل الهائل الذي يعود إليها من السياحة، ومن المنطقي أن يزيد سكانها، أو أن يبقى فيها الأصليون لكن العكس تماماً هو ما يحصل في الواقع، فالكثير من سكان فينيسيا في إيطاليا أو البندقية هاجروا هرباً من الضجيج والازدحام، والاحتباس الحراري الذي تعانيه المدينة ذات الصيت الواسع.
تقول صحيفة Courrier International، الفرنسية، إن عدد سكان المدينة بلغ 175 ألف نسمة في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، لكنه اليوم أقل من ذلك بكثير، إذ يشير آخر الإحصاءات الرسمية إلى أن سكان المدينة باتوا قرابة الـ50.000 نسمة فقط، ومن المتوقع أن يقل هذا الرقم لما دون الخمسين ألفاً هذا العام.
وترجع مجلة Specchio، الإيطالية، هذا الانخفاض اللافت للانتباه إلى سببين رئيسيين، هما: التحول التجاري للمدينة، وارتفاع منسوب المياه.

 

 

 

لماذا هجرها سكانها؟
أدت السياحة، التي تعرفها المدينة العائمة منذ سنوات عديدة، إلى ارتفاع أسعار العقارات والمنازل، ما جعل الطبقة الوسطى، وأصحاب الدخل المنخفض، يبحثون عن أماكن أخرى للعيش بالبر الإيطالي بأقل كلفة.
إضافة لذلك، إن معظم البيوت والمحال الواقعة على ضفاف البحر الأدرياتيكي، ومختلف القنوات المائية الفاصلة بين الجزر الصغيرة للمدينة، أصبحت غير صالحة للسكن بسبب تعرضها باستمرار للفيضانات وارتفاع منسوب المياه، وهو الأمر الذي شكل سبباً رئيسياً ومقنعاً للكثيرين بضرورة الهجرة، ولم يتبق في هذه المدينة سوى الأغنياء الذين يقدرون على التكيف مع تكاليف العيش الباهظة فيها، خاصة أن منازلهم ستحتاج لصيانة مستمرة، إضافة لدفع ما يفرض عليهم من ضرائب خاصة بالوقاية من الفيضانات. 
ويطالب من تبقى من سكان المدينة العائمة بضرورة وقف التدفق الهائل للسياح، معتبرين أنه انقلب نقمة عليهم، وأرَّق حياتهم وغير كل أنماطهم المعيشية، وبات يشكل مصدر إزعاج رئيسي لهم، ولم يعودوا قادرين على التأقلم معه نظراً للتأثير الكبير له على حياتهم اليومية، هذا الأمر أجبر السلطات الإيطالية على فرض بعض القيود على السائحين.

 

 

 

تقليل أعداد السائحين
على عكس كل دول العالم، التي تسعى لجذب السياح، وتضع الخطط وتقيم البرامج، بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من السياح، فإن البندقية أو فينيسيا التي تستقبل البندقية قرابة الـ30 مليون سائح، يزورون مركزها التاريخي، وقنواتها التي صنفتها منظمة اليونيسكو كتراث عالمي، بدأت وضع خطة جادة لتقليل هذا العدد، فمنعت البواخر التي تزيد حمولتها على خمسة وعشرين طناً من عبور قناة Giudecca، وهي أحد الممرات الرئيسية للمدينة.
ولا يمكن اعتبار هذا الإجراء وحده كافياً للحد من أعداد السياح الهائلة، فتبعه عدد من القرارات من أهمها أن كل زائر للمدينة سيكون عليه، اعتباراً من الصيف القادم، الحجز عبر بوابة إلكترونية، للموافقة على دخوله المدينة، كمرحلة أولى، ثم دفع مبلغ يراوح بين 3 و10 يورو، حسب الموسم السياحي، بداية من شهر يناير، للعام القادم 2023، وفق ما ذكرته صحيفة La Repubblica الإيطالية، إضافة لعزم المدينة على تحديد سقف 40 - 50 ألف زائر في اليوم الواحد، مع إمكانية وضع حواجز في المداخل الرئيسية للمدينة.

 

 

يكافحون السياحة
ذكرت صحيفة Le Figaro، الفرنسية، نقلاً عن جريدة Corriere della Sera الإيطالية: "سيُمنع فتح نقاط بيع جديدة للأقنعة والهدايا التذكارية غير الحرفية وآلات البيع الذاتي والمغاسل، وحتى محال البقالة التي تبيع المشروبات والوجبات الخفيفة، يُسمح فقط للجزارين وبائعي الأسماك ومحال الفاكهة والخضروات".
ولا يعتبر الأهالي أن هذه الإجراءات كافية لمكافحة السياحة، والتقليل من أعداد القادمين للمدينة لكن عمدة المدينة لويجي بروجنارو يصف هذه القرارات بـ "الشجاعة، التي لم يسبق لها مثيل بإيطاليا".
وقال بروجنارو، في تغريدة له عبر "تويتر": "السياحة بفينيسيا تبدأ من جديد، نسمة من الهواء النقي للوكالات السياحية، لقد أدرك الكثيرون اليوم أنّ نظام الحجز بالمدينة هو الطريقة الصحيحة من أجل إدارة أكثر توازناً للسياحة، سنكون الأوائل في العالم بهذه التجربة الصعبة".

إقرأ أيضاً: جزيرة كابري.. استعد للمغامرة