في بعض الأوقات، نجد أننا نحتاج إلى أن نتوقف عن الركض في مضمار الحياة، ونلتقط أنفاسنا، ونزيل غبار الرحلة العالق بأرواحنا، ونمنح القلب والروح جزءاً من السكينة؛ لنستعيد لمعة الحياة من جديد، وننطلق في استكمال رحلتنا بنقاء روحي، وبريق قلب يحلم بغدٍ أجمل.

نحتاج، في تلك اللحظات، إلى التحرر من قيود الحتمية الاجتماعية، والضرورات الثقافية، والواجبات الذاتية؛ لنتخفف مثل ريشة تحلق بعيداً وسط نسمات من الفرحة والتأمل من زاوية مختلفة للحياة، ونستعيد تلك البراءة الأولى للروح، ونفك عنها قبضة النمطية وروتينية التعايش مع أحداثنا اليومية.

في لحظات التأمل تلك، نعرف طريقنا إلى التبصر والإدراك للذات، ومعرفة خباياها وإعادة بناء العلاقة ما بين الذات وبين الحياة، من خلال العديد من السلوكيات والتصرفات، التي تكاد تكون أبسط مما نتصور؛ فكلنا لا نلتفت إليها، ولا نهتم بممارستها، وفي تلك اللحظات التي نحاول فيها كسر نمطية حياتنا، نلجأ إلى بعضها لنكتشف القيمة الكامنة، فكثيرون منا لا يحرصون على تأمل لحظات الصباح الأولى عند استيقاظهم، ونتجه إلى ممارسة طقوسنا وعاداتنا الصباحية الروتينية دون وعي وإدراك كامل، ونمارسها بآلية مطلقة. فماذا لو كسرت تلك الرتابة بأن تفتح نافذتك مباشرة، وتحرص على استنشاق هواء الصباح النقي، خاصة بعد الفجر في لحظة الشروق، وتتأملها، وتجعلها تأخذ مساحة من وعيك وتفكيرك ومتعتك الحسية والروحية، مجرد سلوك بسيط نكسر به نمطية سلوكياتنا اللاواعية يعطينا طاقة.

وأيضاً، كم هو جميل أن نستعيد الدهشة الطفولية الأولى، التي واجهنا بها الحياة عندما كنا هنا ونحن صغار، دهشة مدفوعة برغبة المعرفة وشغف السؤال والاستكشاف. ودائماً ما يربط المجتمع بين الرغبة في الهروب من زحام الحياة وبين الضغوط النفسية، وهو - من وجهة نظري - تعميم خاطئ. فهو ليس هروباً من الذات، ولكنه هروب إلى الذات. نغرق في ذاتنا، ونحاول أن نتعرف عليها من جديد، ونقضي معها وقتاً منفردين بعيداً عن مؤثرات الآخرين فتكون بداية جديدة مع الذات، نعيد فيها اكتشافنا، ونخلق شغفاً جديداً، نرتب على أثره أرفف حياتنا المبعثرة من صخب الحياة. وعندها، نعود إلى هذا الصخب نحمل في قلوبنا حماسة الطفولة الأولى، ننطلق نحو هدف جديد، غارقين في فرحة تعكس جلاء الروح، ونقاءها من غبارها العالق بها في رحلاتنا السابقة.