كثيراً ما تعثرت خطواتي في أحجار الطريق.. لكن ما كان يجعلني أقف لأعاود السير كل مرة، هو يقيني أنني امرأة كالنخيل تموت واقفة، مهما اهتز جذعها.

لي من (البنات) الكثيرات..

أحلامي (بنات روحي).. إنجازاتي (بنات عقلي).. ومشاعري (بنات قلبي).. مهما حاولوا (وأدهن) تحت تراب الخذلان أجد دوماً من القوة ما يجعلني أتشبث بهن، أختطفهن، لأركض معهن ولو لآخر العالم.

قالوا لي يوماً: «تبدين بأحسن حال، وكأن الشمس تطبع على وجنتك قبلة أول الصبح، ومثلها كل ليلة يفعل القمر!».

فابتسمت وأنا ألملم عباءتي الباذخة التي أجيد بها مداراة ندوب الجروح.. لن أخبرهم عن قسوة ريح كادت تخلع بابي.. ولا عن شدة برد كادت تدق عظمي.. ولا عن غيمة رمادية ظللت نهاري فلا هي تهطل بمطر، ولا هي تسمح بضوء.. بل أمسد وجنتيّ الناعمتين كأنني حقاً أتحسس قبلتين من شمس وقمر!

يسألونني عن تميمة حظي، وأي عَقدٍ وقّعته مع قدر - دوماً - يصالحني؟! فأجيب وأناملي تتحسس طريق مسبحتي ذات الثلاث حبات.. فقط ثلاث حبات: حمد.. ويقين.. ورضا..

يعجبون من شعري كيف لا يغزوه المشيب.. من ضحكتي كيف لا تهرم.. من أهداب عيني كيف لم تبللها كثيراً دموع فَقْد.. 

فأجيب: ربما لأنني حين يرحل أحدهم غادراً لا أتوقف كثيراً لألوم نفسي أسالها عن السبب، بل تنغمس روحي بأكملها في ملء الفراغ الذي تركه خلفه.. هل ترون هذه الصحاري التي صارت بساتين بعدهم؟!

يعجبون من راحة كفي، كيف تشابكت خيوطها كأيكة تحتضن ليالي السمر، ألم يكن أولى أن يحيلها الوجع متاهات من أشواك؟!

فأجيب: لعلني (نجمة بحر)! قُدّر لي أنه كلما قُطع لي ذراع نبت غيره!.. لعلني شمعة ارتضت مصيرها بأن تحتضن دوماً خيطاً هو قاتلها مادامت ستترك خلفها أثراً من نور!.. لعلني حين ضاقت بي سبل الأرض؛ وسعتني رحابة السماء! 

وكأني بهم كلما أرادوا لـ(بناتي) وأداً.. انسحبت (الهمزة) سخطاً، وانحنت (عصا الألف) ألماً لتستحيل (راء)..

فيصبح (الوأد) ورداً!.. والقبر بستاناً.

وهكذا هنّ بناتي دوماً بين وأدٍ.. وورد!