اكتئاب الرجال من مواضيع الصحة النفسية المسكوت عنها في بلادنا العربية بشكل واسع، إذ إنه يعتبر علامة على الضعف غير المرغوب به وفقاً للثقافة العربية، الأمر الذي يؤدي إلى عدم تشخيص أو علاج الرجال المصابين بالاكتئاب خوفاً من الوصم المجتمعي، ما يؤخر حصول المريض على العلاج، ويطيل مدة المعاناة. 
يؤكد موقع helpguide.org الصحي أن الاكتئاب يصيب النساء والرجال على السواء، ويؤثر سلباً على العلاقات، ونشاطات الحياة اليومية والعمل والدراسة. وفي حين أن أعراض وعلامات الاكتئاب لدى الرجال مشابهة لمثيلتها لدى النساء، إلا أن الرجال يميلون للتعبير عن تلك الأعراض بشكل مختلف. 
ويميل الرجال المكتئبون غالباً للحديث عن الأعراض الجسدية المصاحبة للاكتئاب، مثل: آلام الظهر أو الصداع أو صعوبات النوم أو المشاكل المتعلقة بالجنس، وذلك بدلاً من الحديث عن الأعراض المرتبطة بالمشاعر، إذ تعتبر العديد من الثقافات أنه لا يليق بالرجال الحديث عن المشاعر، وأنهم يجب أن يكونوا أكثر صلابة وتحكماً في مشاعرهم، مما يؤدي لعدم تشخيص الاكتئاب كسبب كامن وراء تلك الأعراض الجسدية، وتفاقم الحالة إلى ما لا تحمد عقباه. وتشير الإحصاءات إلى أن الرجال المصابين بالاكتئاب أكثر عرضة للانتحار من النساء المصابات بأربعة أضعاف. 

أعراض وعلامات الاكتئاب عند الرجال: 
أولاً: الأعراض والعلامات العامة التي تصيب النساء والرجال على السواء: 
- الشعور بالحزن أو التمزق أو الذنب أو الفراغ. 
- فقدان الشعور بالاستمتاع بمباهج الحياة. 
- تغيرات بالشهية أو الوزن. 
- قلة أو زيادة النوم بشكل ملحوظ. 
- الشعور بالتشويش أو التعب مع صعوبة بالتركيز. وبالطبع لا يعاني كل المصابين بالاكتئاب من كل هذه الأعراض. 

ثانياً: العلامات التي قد تصيب الرجال أكثر من النساء، ويمكن تصنيفها إلى ثلاث مجموعات: علامات سلوكية، وعلامات انفعالية (عاطفية)، وعلامات جسدية. 
- العلامات السلوكية لاكتئاب الرجال: تجنب العائلة والمواقف الاجتماعية، والإفراط في العمل دون أخذ راحة، وصعوبة مواكبة الالتزامات سواء الأسرية أو المتعلقة بالعمل، وفقد الاهتمام والشغف بالعديد من الأشياء، وغياب الشعور بالحافز للنجاح، والميل إلى التحكم أو الاستحواذ في العلاقات مع الآخرين، ونوبات من الغضب والميل للتهور والمخاطرة، واللجوء للكحوليات أو لتعاطي المخدرات، ومحاولة الانتحار. وتشير إحدى النظريات إلى أن تلك التغيرات السلوكية المصاحبة للاكتئاب لدى الرجال تأتي نتيجة لمحاولتهم إخفاء الاكتئاب للحفاظ على رجولتهم، وبالتالي فإن تلك المحاولات لإخفاء الإصابة بالمرض تتسبب في ميلهم للانخراط في العديد من السلوكيات المدمرة للذات. 

 

 

- العلامات الانفعالية (العاطفية) لدى الرجال: الشعور بالحزن وتدني الحالة المزاجية، وزيادة في الشعور بالغضب، وزيادة الشعور بالإحباط، والشعور بالعدوانية، وزيادة التهيج وسرعة الانفعال، والتفكير في الانتحار. وكما أسلفنا، غالباً لا يميل الرجال للحديث عن تلك الأعراض المتعلقة بالمشاعر بشكل عام، إلا أنه ينبغي التأكيد على أهمية أن يقوم الرجال بالتحدث عما يمرون به من مشاعر، وأن ذلك الأمر لا يقلل من رجولتهم أو ينتقص منها على الإطلاق، حيث يساعد التعبير والحديث في التشخيص الدقيق للإصابة بالاكتئاب، ومن ثم علاجه بشكل صحيح. 

- العلامات الجسدية لدى الرجال: الصداع، وضيق الصدر، وآلام الظهر أو المفاصل أو الأطراف، واضطرابات الهضم، التعب، وزيادة النوم أو قلة النوم بشكل ملحوظ، والشعور بالقلق والتهيج، وزيادة الشهية أو فقدان الشهية مع تغيرات بالوزن. ورغم أن الاكتئاب مرض نفسي بالأساس، إلا أنه قد يؤدي للإصابة بأعراض عضوية وجسدية، حيث إن بعض تلك الأعراض ينشأ بفعل تأثير الاكتئاب على كيمياء المخ، ويؤدي إلى تغيير مستويات السيروتونين والنيورأدرينالين اللذين يتحكمان في الحالة المزاجية والشعور بالآلام. 

سبل علاج الاكتئاب لدى الرجال: 
يمكن علاج الاكتئاب من خلال استعمال الأدوية المضادة للاكتئاب الموصوفة من قبل الطبيب، أو العلاج النفسي بواسطة معالج أو طبيب نفسي، أو الجمع بين العلاجين الدوائي والنفسي، والأفضل دائماً الجمع بين العلاج الدوائي والعلاج النفسي. 
- أولاً: العلاج الدوائي
الاكنئاب يكون مصحوباً بتغيرات كيميائية في مستويات النواقل العصبية، ويهدف العلاج الدوائي لإعادة التوازن بين هذه النواقل، وحسب الآلية التي يعمل بها مضاد الاكتئاب فإنه يصنف تحت واحد من المجموعات الدوائية التالية: مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRI)، ومثبطات إعادة امتصاص السيروتونين والنوريبينيفرين (SNRI)، ومضادات إعادة امتصاص "النوريبينيفرين" و"الدوبامين" (NDRI)، مضادات الاكتئاب اللانمطية، ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات، ومثبطات الأكسيداز أحادي الأمين (MAOI). 
وتتناول هذه الأدوية تحت إشراف الطبيب النفسي، الذي سيضبط الجرعات حتى تتحقق أفضل نتيجة ممكنة، وبعض الأدوية قد تحتاج عدة أسابيع حتى يظهر مفعولها، وهذا يتطلب الصبر، وتجنب إيقاف الدواء دون استشارة الطبيب. 

- ثانياً: العلاج النفسي: 
سواء من خلال الجلسات الفردية أو الجماعية، يوجد العديد من المدارس العلاجية، ولكل مدرسة منهجيتها في التعامل مع الاكتئاب. ومن أشهر هذه المدارس المدرسة الديناميكية، التي يعمل فيها المعالج مع المريض على الاستبصار بجذور الاكتئاب الرابضة في العقل الباطن، وهناك أيضاً مدرسة العلاج المعرفي السلوكي، وتهدف للتعرف على الأفكار الكامنة وراء المشاعر المؤلمة، وقد يساعد العلاج الجماعي في توفير الاحتياجات النفسية للمريض: (الحب والقبول والانتماء)؛ مما يوفر دعماً رائعاً للمريض. 
بشكل عام، إن 80% من مرضى الاكتئاب من الرجال والنساء يمكن علاجهم بنجاح بتلك الوسائل، والمهم هو التوقف عن وصم الرجال المصابين بالاكتئاب، والاعتراف بحقهم في التعبير عن مرضهم وفي العلاج، مع تقديم الدعم اللازم لهم أثناء رحلتهم لتخطي المرض.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة تساعد على التحكم في الغضب