اعتاد متابعو الأعمال الأجنبية، في وطننا العربي، مشاهدتها مترجمة لسنوات طويلة خلت، حتى ظهر فن "الدوبلاج" أواخر العشرينيات من القرن الماضي، وقد يكون عام 1928 هو التاريخ الرسمي لميلاد هذا النوع من الفنون، الذي أريد منه أن يكون بديلاً للترجمة بشكل رئيسي.
وغزا "الدوبلاج" الوطن العربي من خلال مسلسلات الأطفال، وظل حكراً عليها لوقت طويل، حتى بدأت هذه العدوى تنتقل لأعمال الكبار، وبتنا نشاهد المسلسلات المكسيكية والتركية، وغيرها من الأعمال التي نشاهد ممثليها الأصليين ينطقون بأصوات غيرهم، ولغات غير لغتهم الأصيلة.

 

 

ممثلة "دوبلاج" تروي أسراره
تشرح ممثلة "الدوبلاج" الأردنية، إيمان أبوزيد، لـ"زهرة الخليج"، الخطوات التي تمر بها مرحلة "الدوبلاج"، إذ يبدأ الإعداد لأي عمل بترجمته للغة العربية، على سبيل المثال، ثم يتم توزيع الأدوار على الممثلين من قبل مخرج الأداء، وحسب نظرته لملاءمة الصوت مع الشخصية المراد تقديمها.
وتكمل أبوزيد: "يتم تعديل طول بعض الجمل؛ لتتناسب مع اللغة الأصلية، خاصة إذا كان (الدوبلاج) في اللهجات العامية، مع مراعاة اختيار كلمات مناسبة لحركة الشفاه، ويتم حساب زمن نطق كل كلمة، وتسمى هذه المرحلة (المشاهدة)، التي تعتبر من أساسيات مراحل (الدوبلاج)، ثم يتم الانتقال إلى مرحلة التمثيل الصوتي، أو التسجيل في الاستديو، بوجود مخرج الأداء ومهندس الصوت".
وحسب بطلة الصوت في المسلسل الكوري الشهير "أسطورة البحر الأزرق"، فإن "الدوبلاج" إلى اللغة العربية يعتبر أسهل من باقي اللغات، ذلك أنها لغة غنية بالمفردات والمصطلحات الكبيرة، وهي دون أي شك أكثر لغة يمكن أن يتم إيصال المعلومة من خلالها بأسلوب سهل ومفهوم.
شارحةً أن لهذا الفن مدارس مختلفة تماماً عن تلك التي تحملها المدارس التقليدية، سواء كان ذلك في الإخراج، أو التمثيل، كما أنه ساهم في انتشار الكثير من اللهجات العربية في مختلف البلدان، إضافة لمساعدته في دخول أنواع متنوعة وجديدة من الدراما إلى بيوتنا، كما لعب دوراً في تعريفنا بثقافات جديدة، مثل: التركية والكورية والصينية والمكسيكية، بما فيها من تفاصيل دقيقة.

الرد على المعارضين
يلاقي "الدوبلاج" معارضة من بعض صناع الدراما والسينما والمهتمين بهما، معتبرين أنه ثقافة بصرية هجينة، تجمع بين وجه أجنبي ولسان عربي، وهو أمر مرفوض لدى معارضي هذا الفن.
إلا أن ممثلة "الدوبلاج" الأردنية إيمان أبوزيد ترى أن "الدوبلاج" ساعد الكثير من كبار السن والأطفال العاجزين عن قراءة الترجمة بمشاهدة أعمال جميلة وفهمها بشكل كامل، مؤكدةً أنه الحل الأمثل، للوصول لجميع الفئات من دون استثناء.
كما أن الكثير من الدول تبقى عاجزة عن إيجاد إنتاجات ضخمة بتكاليف عالية جداً، وتلجأ غالباً إلى "دبلجة" الأعمال العالمية، ونقلها لشعبها بلغته التي يفهمها، وتشعره بأن يشاهد عملاً خاصاً به.
وتشير أبو زيد إلى أن "الدوبلاج" وفر للوطن العربي أعداداً لا يمكن حصرها من الأعمال المهمة، سواء كانت مسلسلات أو أفلاماً، وحتى برامج الأطفال ومسلسلاتهم التي دخلت كل البيوت.

 

 

هل ممثل "الدوبلاج" مظلوم؟
يعتقد الكثيرون أن ممثل "الدوبلاج" يتعرض لظلم كبير، فهم يحفظون صوته، ويحبون شخصية غيره، وربما لا يعرفون شكله الحقيقي إطلاقاً، كما يعتبر آخرون أن ممثل "الدوبلاج" لا يحظى بذات القيمة التي يتمتع بها الممثل العادي.
وتشرح ممثلة الدوبلاج التي قدمت دوراً رئيسياً في  المسلسل الإسباني High Seas الذي عرضته شبكة نتفليكس العالمية، أن التمثيل هو التمثيل، ويعني تقمص الشخصيات، وممثل "الدوبلاج" لا يختلف عن الممثل العادي فهو يعيش الدور الذي يؤديه بكافة تفاصيله، وينقله للمشاهد بصوته وإحساسه، معتبرة أن الصوت لا يقل أهمية عن الصورة في إقناع الجمهور والدخول إلى قلوبهم، خاصة في المشاهد التي تحمل حزناً أو فرحاً على حد سواء، مؤكدة فخر ممثلي "الدوبلاج" بأنهم استطاعوا التأثير في الآخرين بأصواتهم، ونقل أحاسيس غيرهم.
وتكمل الفنانة التي قدمت الكثير من أعمال الأطفال، أن حالها كحال أي ممثل صوتي (دوبلاج)، يشعر بالفخر والسعادة، كونه استطاع من خلاله صوته زرع مشاعر حقيقية لدى الجمهور، وجعله يتعلق بتلك الشخصيات، سواء أحبها أو كرهها، فإن الممثل يكون قد حقق الهدف المطلوب منه وبصوته فقط.
وتختم إن معظم الجماهير في الوطن العربي، الذين تشدهم الأعمال "المدبلجة"، غالباً يبحثون عن مقدمي الأصوات أبطال هذه الأعمال، ما ينفي تعرضهم للظلم، عدا أن الجمهور يتعلق بأصواتهم، وتحفر بذاكرتهم أكثر من ممثلها الحقيقي، ضاربةً المثل بالفنان السوري مكسيم خليل، الذي ظهر صوته مرافقاً لشخصية "مهند" بالمسلسل التركي الشهير، وقد حفظ الجمهور العربي صوت مكسيم، وأحبوه بشكل كبير، حتى إنهم لم يتقبلوه بشكل كامل من بطل العمل الحقيقي كيفانش تاتليتوغ.