غنت فيروز للصيف: «حبيتك بالصيف»، و«مرق الصيف بمواعيدو»، و«صيّف يا صيف».  وتغزل شعراء بهذا الفصل، وصيغت عنه روايات، وحُفرت في الأذهان حِكَمٌ، بينها: «لو كان للصيف أم؛ لبكت على أفوله».. لكن، هناك أيضاً من قال: «غداً تُمطر الدنيا، وننسى هموم الصيف». فهل للصيف - فعلاً - هموم؟ هل صحيح أن شمسه تولّد فينا - في الشعر والجلد والعيون - معاناة؟ هل للحرّ أضرار؟ وهل علينا أن نعدّ إلى عشرة قبل أن نقف تحت عين شمس الصيف، ونغني: «هذا فصل الخيرات.. هذا دفء الموجات»؟.. هل علينا أن نقول في عزّ الصيف: «ليت الشتاء يعود!»؟

ودخلنا في «عزّ الصيف»، وبدأ وهج قرص الشمس يشتدّ، والأرض تسخن، والبحر يجذب البشر، والنجوم تتلألأ في السماء. شهران بَعْدُ ويبدأ كل ذلك بالأفول، وتعود الأجسام إلى لونها الطبيعي. لكن، ماذا عن تأثير كل ما سيحدث لنا؟ الحذر المبالغ فيه يكون أسوأ، عادة، من مغبات الخطر؛ لذلك علينا به، لكن من دون أن نتنازل عن التمتع بجمالية هذا الفصل. لهذا، سألنا أخصائي الأمراض الجلدية، الدكتور رولون طنب: كيف يمكننا أن نحيا جمال فصل الصيف لا مشاكله؟ وهل كثرة التعرض للشمس تصيب الإنسان بسرطان الجلد؟ وهل هذا النوع من السرطان هو نفسه «الميلانوما»؟ 

 

 

جرعات شمس

تتألف البشرة، بحسب طنب، من ثلاث طبقات أساسية، هي: البشرة وهي الطبقة العليا أو الخارجية، والأدمة وهي الطبقة السفلى أو الداخلية، والطبقة الدهنية الواقعة تحت البشرة. والخلايا الصبغية تقع في الطبقة السفلية، وهي مسؤولة عن إعطاء البشرة لونها الطبيعي، وحمايتها من الأشعة فوق البنفسجية الموجودة في ضوء الشمس. والتعرض الطبيعي لهذه الأشعة يدفع الخلايا الصبغية إلى زيادة إنتاج الميلانين؛ ما يعطي البشرة سمرتها. أما الإفراط في التعرض لها؛ فيتسبب في تغيرات بالخلايا الصبغية، وتتحول إلى سرطان جلدي، أو «ميلانوما».

ليس هذا طبعاً كل شيء، فالأشعة فوق البنفسجية قادرة، بحسب الدكتور طنب، إذا لم تتسبب في سرطان جلدي، على حرق الجلد، والتأثير سلباً في تركيبة الخلايا وتكوينها، لاسيما خلايا «دي أن إي»، وإفرازات الميلانين المتزايدة، التي تتسبب فيها قد تؤدي إلى تفكك خلايا الجلد وضعفها وترهلها، وإصابتها بتجاعيد مبكرة. وقد تتسبب، أيضاً، في ظهور بقع بيضاء، خصوصاً إذا كان من يتعرض لتلك التأثيرات يتناول أدوية تخفيض الكوليسترول، وأدوية الضغط والنشاف والقلب، وأدوية تصلب الشرايين، ومضادات الالتهاب والجهاز العصبي والعلاجات السرطانية.

جميعنا بحاجة إلى جرعات شمس من أجل كسب فيتامين (د)، وعلاج بعض أنواع الصدفية، والتحكم في التقلبات المزاجية.. لكن باعتدال. فهل أنتم مستعدون لتعتدلوا؟ يكاد لا ينتهي الصيف حتى تبدأ تأثيرات شمسه بالظهور عند أطباء الجلد فـ«رأسمال» الشمس يتسبب في ضرر مباشر بالحمض النووي، الذي يعيد - في الحالات العادية - إصلاح نفسه بنفسه، لكن إذا تراكمت تلك النتائج؛ فلا يعود قادراً على ذلك، وتعجز البشرة عن تجديد نفسها.

 

 

تكاثر البكتيريا

الجلد، الذي هو المدافع الأول عن صحة الإنسان في مواجهة الشمس، ليس وحده «بيت القصيد» في ارتكاباتها. الشعر، أيضاً، يتأثر بها، وبمادة الكلور العالية في أحواض السباحة، وبالمواد الكيميائية التي تتسبب فيها الأصبغة، التي تزيد في هذه الفترة الزمنية من السنة. لذا هو بحاجة ماسة إلى كريمات خاصة وماسكات، يجب علينا سؤال أخصائي الجلد عنها. وما يجهله كثيرون هو أن معدل نمو شعرة الرأس الواحدة، في الحالات الطبيعية، هو 0,35 ملليمتراً يومياً، وهذا المعدل قد يزيد قليلاً، أو ينقص قليلاً، نتيجة عوامل عدة تضاف إلى الشمس، بينها الدورة الشهرية والحمل، خصوصاً إذا افتقر جسم المرأة إلى الكمية الكافية من الحديد. وفي هذا الإطار، يقول طبيب الأمراض الباطنية، الدكتور شربل كرم: «إن الغدة الدرقية عامل سلبي أيضاً، قد يتسبب في جفاف الشعر وتقصفه وتساقطه».

ويضيف: تأثير الشمس، وطبيعة العلاج، يختلفان بحسب اختلاف نوعية البشرة «فالبشرة القاتمة أقل تأثراً من البشرة البيضاء الفاتحة أو الشديدة البياض. فذوو البشرة الداكنة يحملون، عادة، مخزوناً كبيراً من مادة الميلانين، ما يبقيهم في أمان كبير، ويحميهم من الإصابة بسرطان الجلد».

ونسأل أخصائي الأمراض الباطنية؛ عن الأمراض التي تتسبب فيها، أحياناً، فيروسات وفطريات وبكتيريا في الصيف؟.. فيجيب: «يتسبب ارتفاع الحرارة في تكاثر البكتيريا، لاسيما التي تصيب اللحوم غير المطبوخة جيداً، وأكثر الإصابات تطال الأطفال والمسنين والرضع والحوامل والأشخاص الذين يعانون ضعف المناعة، وتُرَدُّ - في معظمها - إلى خلط الكثيرين، خصوصاً في فترات الحر، بين الطعام النيئ والمطبوخ، أو ترك الطعام خارج الثلاجة مدة قد تكفي لتعبث به البكتيريا، أو بسبب عدم غسل الفاكهة والخضراوات المثقلة بالمبيدات - على اختلاف أنواعها - جيداً، ما يتسبب في الإسهال أو التهابات السحايا». ويستطرد الطبيب بالقول: «في أيام الحرّ الشديد، تنخفض الإفرازات المعوية، والإنزيمات التي تُعنى - عادة - بعملية تخمير الأغذية والمشروبات، ما يتسبب في مشاكل مختلفة». 

ليس هذا فقط، ففي الحرّ الشديد خارجاً، هناك برودة شديدة في البيوت والنتيجة «حساسية في الأنف، والتهابات متكررة في الجيوب الأنفية، لاسيما عند الأطفال، والتهابات في الشعب الهوائية، وفي الرئتين. ناهيكم عن أن المكيفات هي أحد مصادر الميكروبات، لهذا لا بدّ من صيانتها وتنظيفها بشكل دائم. وينصح بوضع تلك المكيفات على مستوى حراري معتدل، ليس عالياً، وليس منخفضاً؛ كي لا تتسبب في إضعاف الجهاز المناعي؛ فيسهل اعتداء المرض على الجسم.

الشمس.. ثم الشمس.. ثم الشمس، إياكم وتعريض أطفالكم لها. إحداهن اتصلت بطبيب الأمراض الباطنية، وسألته: أصيب ابني البالغ من العمر سنة واحدة بالتهابات جلدية وهو على البحر، فبماذا تنصحني؟ فتذكروا أننا في فصل الصيف، ولا تعتمدوا خطوات تبقيكم رهينة أمراضه، وحصنوا أنفسكم مبكراً؛ عملاً بقاعدة «الوقاية خير من ألف علاج».

 

 

سُمرة مايا دياب ونضــارة إيشواريا راي

كثيرون يتمثلون بنجومهم، ويعتمدون «اللوك» الذي يظهر به هؤلاء. لكن، هل التمثل الأعمى يفيد؟

روبرت ريدفورد دفع فاتورة تعرضه المتواصل، لفترات طويلة، لأشعة الشمس، إذ تضررت بشرته، وظهر تقدمه السريع في السن. فالممثل الأسطوري أصيب مبكراً جداً بتجاعيد عميقة حول العينين، وبدا أكبر من عمره. ومثله عانى ذلك الممثل كلينت إيستوود؛ جراء وجوده طويلاً تحت الشمس لأجل تصوير أفلامه، التي اعتاد أن تكون في الأماكن المفتوحة. من جهتها، الفنانة مايا دياب لطالما خضعت لجلسات حمامات شمس طويلة؛ للحفاظ على سمرتها الجذابة، وقد اضطرت إلى إجراء عملية تجديد خلايا بدلاً من تلك التي أتلفتها الشمس، وهي لم تنكر - أكثر من مرة - خوفها من سرطان الجلد؛ لكثرة تعرضها لأشعة الشمس. 

على نقيض مايا دياب، أتقنت الممثلة الهندية صاحبة أجمل عينين، إيشواريا راي، الاعتناء ببشرتها، فلم تعرضها نهائياً لأشعة الشمس لاكتساب السمرة. ونادين نسيب نجيم مثل إيشواريا حذرة جداً من الشمس، وإذا أرادت الحصول على سمرة جذابة، فإنها تمزج «لوشن» الجسم مع القليل من مستحضرات التسمير. 

فاتورة التعرض للشمس كانت أكبر على نجمة تلفزيون الواقع الأميركية كاتلين جينر؛ فقد أصيبت بسرطان الخلايا القاعدية؛ فطلبت من معجبيها وضع الكريمات الواقية من الشمس؛ لحماية أنفسهم من الأشعة فوق البنفسجية؛ كي لا يعانوا معاناتها.