سحرت عذوبة صوتها الملايين في العالم العربي، وشكلت لونها الخاص بها، الذي بات أقرب إلى أن يكون مدرسة للفن الجامع بين الأصالة والعراقة والجمال. ولطالما حرصت على احترام مستمعيها، وغناء ما يلامس مسامعهم وأرواحهم. "زهرة الخليج" التقت المطربة السورية فايا يونان، التي عودت محبيها ومتابعيها على تقديم كل ما يليق بأذواقهم، وقد أنهت، مؤخراً، مشاركتها الأولى بمهرجان جرش للثقافة والفنون، مبديةً فرحها وسعادتها الكبيرين بهذه المشاركة، التي تحمل لها قيمة كبيرة. 

 

 

تقول فايا: "تشرفت بالمشاركة بمهرجان جرش، وعشت سحره الخاص، الذي تحمله القيمة التاريخية للمسرح الأثري ذي الطابع الخاص، الذي يشعرك بطاقة مختلفة جداً كما هي حال معظم المسارح التاريخية في العالم، كما تعرفت على جماهير جديدة، وتفاعلنا عن قرب بكل محبة". 
وتبين يونان الفرق بين جمهور الحفلات، التي تقدمها بشكل مستقل، عن تلك التي تقدمها في المهرجانات الكبرى، شارحة الأمر بأن جمهور الحفلات، هو الذي يعرف الفنان تماماً، ويتبعه ويأتي خصيصاً للاستماع إليه، بينما تجذب المهرجانات الكبرى جمهور جديد، قد يكون يستمع للفنان لأول مرة. فعلى سبيل المثال، سبق أن قدمت فايا حفلات كثيرة في الأردن، كانت مختصرة في العاصمة عمان، بينما حضورها في جرش جذب الكثيرين من مناطق الشمال، الذين لم يسبق لها أن التقتهم من قبل. 

 

 

غناء وتلحين.. وطريق صعب 
تشير فايا إلى أنها دخلت عالم التلحين من دون تخطيط، فقد لحنت عدداً من الأعمال في ألبومها الأول، ومن أشهرها: "في الطريق إليك"، و"يا ليته يعلم"، وفي ألبومها الثاني قدمت من ألحانها "يا قاتلي". وجميع هذه الأعمال حصدت ملايين المشاهدات على "يوتيوب"، تقول: "أجد نفسي أدخل في تلحين بعض القصائد من دون أي تخطيط مسبق. تجذبني الكلمات وأحبها وأرغب بإيصالها بطريقة معينة؛ حتى يتشكل اللحن لديَّ وأقوم بغنائه". 
وبخصوص اختيارها غناء القصائد، وهو ما يصفه الكثير من النقاد بالطريق الصعب، خاصة في ظل وجود عمالقة اشتهروا بهذا اللون، مثل: كاظم الساهر، وماجدة الرومي، تؤكد المطربة الشابة أن الفن ليس شهرة وانتشاراً ونجومية فقط، فهنالك طرق أخرى مختلفة، وهي تريد أن تقدم ما تقتنع به تماماً، موضحة: "الجميع يحب الأغاني الراقصة، وأغاني البوب، وبكل تأكيد نحن بحاجة لهذا النوع من الفن ولا أنتقده إطلاقاً، لكن أنا أبحث دائماً عن العمل الذي يشبهني، ولن أخرج من ثوبي". 

 

 

 

ورغم صعوبة وصول لونها للأجيال الجديدة، فإن فايا تؤكد أن هذا الجيل متنوع دائماً، وهنالك فئة كبيرة تحب ما تقدمه، إضافة إلى أن وجود "السوشيال ميديا"، وانتشارها، كل هذا سهل عملية انتشار الأعمال الجيدة، وبات الجمهور يأخذ ما يريده، ولا يفرض عليه أحدٌ ما يستمع إليه، كما أن وجود المنصات الخاصة بالموسيقى والأغاني ساهم كثيراً في تسويق الفنان، رغم أنه وسع باب المنافسة بشكل كبير. 
وعن غناء القصائد أيضاً، فإن فايا تميل للقصائد الموزونة العمودية، التي يكون لها مطلع ولازمة ويكون غناؤها وتلحينها أسهل، إلا أن هذا الأمر لا يمنع من تلحين وغناء قصائد من أشكال مختلفة، حسب رأيها. 

مشروع مقبل 
وأعلنت صاحبة رائعة "حب الأقوياء" أن مشروعها المقبل هو إصدار ألبومها الغنائي الثالث، وتشرح عن إصرارها على إصدار أعمالها على شكل ألبومات دائماً، مبينة: "أحترم خيارات الآخرين، لكنني لا أميل إطلاقاً لإصدار الأغاني المنفردة، وأركز على الألبومات الغنائية كمشاريع فنية متكاملة، حتى لو لم يتم طرحه دفعة واحدة، وتم طرح أغنية كل أسبوع على سبيل المثال، إلا أنها تكون ضمن مشروع واضح يحمل اسماً خاصاً، وجميع الأغاني تكون مترابطة. على سبيل المثال، ألبوم (حكايا القلب) حمل تنوعاً في اللهجات، وشكلت كل أغنية حكاية وحدها فضم بعضاً من أغاني الدبكات، التي ربما لن أطرحها لو كانت أغنية منفردة، لكن وجودها في الألبوم ضمن تسلسل الأعمال كان مهماً". 
وتكمل فايا: "أشعر بأن الأغاني المنفردة تشبه الشاعر، الذي نشر قصائد كثيرة في مواقع متعددة، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وفي الصحف، ويمتلك كماً هائلاً منها، لكنه لا يمتلك ديواناً شعرياً متكاملاً". 
وتشرح بإسهاب: "نحن نعمل بفكر واستراتيجية واضحة، وهذا كله عائد للشق الإداري والتخطيط السليم الذي يتولاه حسام عبدالخالق، ويتركني لأفكر في الشق الإبداعي فقط، وهذا نسميه إدارة فنون، وليس إدارة أعمال. إنني أحب فكرة الألبوم، وأرفض الابتعاد عنها؛ كوننا نعيش في عصر السرعة والزمن الاستهلاكي"، رافضةً البوح بأي تفاصيل عن ألبومها الذي تعمل عليه حالياً، إلا أنها لا تبدي ممانعتها في تقديم أغانٍ ذات موسيقى وطابع سريعين في حال ناسبتها، مؤكدة انفتاحها الكامل للتعاون مع أي ملحن أو شاعر يقدم لها عملاً مميزاً، ومعلنةً عن حفلين مقبلين في تونس يومَيْ: 6 و8 من الشهر الحالي بمهرجانَيْ برقة والقصرين. 

لست امتداداً لأحد 
ترفض يونان أن تعتبر نفسها امتداداً لأحد عمالقة الغناء العربي، مشددةً على أن هذا الأمر عائد للمستمعين، فكل شخص لديه حاسة في "اللاوعي"، تقوده إلى جيل العظماء، وقد لا يحب البعض ما أقدمه، ويحبه آخرون، وهؤلاء ربما سيرونني امتداداً لفنانهم المفضل. البعض يعتبرونني امتداداً لفيروز، وآخرون يرون أسمهان، لكنني بكل صراحة لا أفضل هذه المقارنات؛ فنحن في زمن مختلف، وحالة مغايرة ومعطيات لا تشبه إطلاقاً ما كان في ذلك الزمن. 
وتضيف: "غنيت لفيروز وأحب الناس هذا الأمر، لكن تجب الإشارة باهتمام بالغ إلى أنني حريصة جداً على حقوق الملكية؛ فما غنيته لم يكن من أغاني فيروز، وإنما لآل الرحباني، مثل أعمال زكي ناصيف، التي قدمتها السيدة فيروز، لذلك لم يعترض أحد من عائلتها على ما أقدمه؛ فأنا احترم حقوق الآخرين، ولم تتم ملاحقتنا يوماً بهذا الأمر". 

 

 

مؤدون أم فنانون؟ 
لا ينكر أحد انتشار ظاهرة الأعمال التي تجلب المشاهدات بأرقام كبيرة جداً، تصل لمئات الملايين، رغم أن أصحابها لا يمتلكون صوتاً فنياً، ويعتذرون عن الغناء بشكل مباشر أمام الجمهور، وقد يصبح بعضهم أضحوكة في حال قام بذلك. تبدي فايا رأيها بهذه الظاهرة، معتبرةً أنها ليست حصراً على العالم العربي، فهي موجودة بالغرب أيضاً، ويجب أن نميز بين فناني الحفلات، وفناني الاستوديو، غير ممانعة هذا النوع مادام الناس يحبونه، فهذه الأعمال يسمعها الناس في سياراتهم وبيوتهم وعلى هواتفهم، وتضيف: "الهدف من الفن هو إيجاد شعور وإحساس داخلي لدى المستمع، وإن حققت هذه الأعمال هذا الهدف، فهذا يعني أن هؤلاء يمتلكون شيئاً يقدمونه. وبالنهاية هنالك أيضاً فنانون يبدعون على المسرح من دون أن يمتلكوا أي رصيد من الأغاني الخاصة، ويقدمون ما هو تراثي وقديم والأفضل دائماً، والأجمل هو أن تمتلك جميع هذه الصفات؛ فتحرك مشاعر الناس بصوتك وأعمالك. 

 

 

وعد بحفلات قريبة في سوريا 
أنهت فايا، قبل فترة، مشاركة مميزة في مهرجان بابل بالعراق، تصفها بالقول: "مشاركتي في بابل شكلت أول وجود لي في العراق، هذا البلد الذي يعني لي الكثير، وسبق أن قدمت أغنية خاصة لبغداد، فمسرح بابل الأثري والقيمة التاريخية للمدينة جعلاني أطير من الفرح، رغم أن الحفل كان في شهر مارس، وكان الطقس يتسم بالبرودة الشديدة، إلا أن دفء المكان وسحره فاقا كل شيء، شعرت بأن المسرح يحتضنني، عدا الجمهور الذواق المحب إلى أبعد الحدود". 
أما عن غيابها عن حفلات الأردن، التي اعتادت إقامتها كل عام، فترجع الأمر للظروف القسرية بعد انتشار وباء "كورونا"، وما تبعه من تشديدات على الفعاليات الثقافية واعدةً الجمهور بحضور قريب. 

رسالة إلى سوريا 
قالت فايا يونان، في كلمتها إلى سوريا: "من المستحيل أن أنهي رسالتي لسوريا بهذا الوقت القصير؛ فهي البلد الذي أنتمي إليه وأنا منه، وتشكلت هويتي بداخله، ومهما سافرت وبعدت عنه فهو الوطن الذي أحمل اسمه، وأتمنى أن يكون القادم له أجمل وأفضل. ورغم الظروف الصعبة التي تعيشها كل بلاد الشام فإننا سنعود كما كنا، ونملاً الدنيا موسيقى وفرحاً، ورح نرجع، وأقول لجمهوري في سوريا لنا لقاء قريب".

إقرأ أيضاً: بعد عامين من الخلافات.. صلح إلهام الفضالة وزهرة عرفات