تلعب الفنون دوراً مهماً في بناء شخصية الإنسان؛ فالفنون - بجميع أنواعها البصرية والسمعية - تعمل على قيمة أساسية وفطرية في الإنسان، وهي الجمال، التي صنفها الفلاسفة ثالثة القيم الأساسية الكبرى للحياة، وهي: الحق، والخير، والجمال.

والجمال قيمة تحتاج إلى الشعور والوعي؛ فلكي ندرك الجمال؛ لابد أن نشعر به، وأن نعيه في آنٍ، ولأن الفنون هي الإطار الذي يتم وضع الإبداع الإنساني فيه، والذي يعمل على إيصال قيمة جمالية للمتلقي تعتمد على الشعور بالمتعة المادية (بصرية أو سمعية) والوجدانية، ثم الإدراك والوعي بالقيم الفكرية والجمالية والمعرفية التي يحتويها هذا الإبداع الجمالي. من هنا، ندرك أن الفنون تمارس دوراً كبيراً في بناء وتشكيل شخصية ووعي الإنسان.

وارتباط الفنون بالحالة الشعورية - بصورة مباشرة - يعمل على تربية وتنمية المشاعر والقيم الإنسانية والذوق العام عند الطفل، خاصة حينما يتعامل مع الفنون منذ طفولته، سواء بالتعرض لها كمتلقٍّ أو متعلم.. فالمُنتَج الفني يمثل تجربة تنقل إلى الطفل العديد من القيم والمعارف. من هنا، ندرك أهمية تضمين الفنون، بأنواعها البصرية والسمعية كافة، في المناهج الدراسية.

وبناء العملية التعليمية لعقلية الطفل يحتاج إلى بناء قيمي وروحي، مترافق معه؛ لذلك لابد من الحرص على وجود وفاعلية مناهج الفنون في المدرسة، وأن تكون بمثابة تنمية حقيقية للقدرات الإبداعية للطفل، وربطها بالقيم الجمالية والإنسانية، ما يمثل انعكاساً إيجابياً كبيراً على بناء شخصية ذات استقلالية، وقدرة على الإبداع والابتكار في المجالات الأخرى كافة، وليست الفنية فقط، خاصة حينما تكون منهجية التدريس للفنون بالمدارس تعتمد على تحفيز القدرات الفردية للطفل على الإبداع.

كما لابد أن نصطحب الأطفال والطلاب خارج جدران الصفوف الدراسية، ونبني علاقة بينهم وبين المتاحف والمعارض الفنية والمسرح.. خلال لقاءاتي وزياراتي - في العاصمة البريطانية لندن - إلى عدد من المتاحف والمعارض الفنية والمؤسسات التعليمية؛ لاحظت حالة الإقبال الكبيرة للطلاب والأطفال على زيارة تلك المتاحف، والوقوف أمام الأعمال الفنية، ورأيت كيف ينقلون إليهم القيم الجمالية في المعروضات، والإبداعات الفنية، ولمست تمتع الأطفال بثقافة فنية عالية؛ نتيجة الاهتمام بتنمية العلاقة بين الطالب والفنون.

ودراسة الفنون، وممارستها داخل المدرسة، ليستا مجرد «تحصيل حاصل»، كما يراهما الكثير من الآباء في مجتمعاتنا، لكنهما لا تقلان أهمية عن تدريس بقية العلوم الأخرى. دعوني أطرح على الآباء سؤالاً: كم مرة حرصت على اصطحاب ابنك إلى متحف فنون أو معرض للفن أو عمل مسرحي؟.. أترك لكم الإجابة؛ لتدركوا قناعتكم بقيمة الفنون في تنمية شخصية الأبناء.