روعة‭ ‬البدايات‭.. ‬مُصطلح‭ ‬تعوّدنا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬نسمعه،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأشياء‭ ‬جميلة‭ ‬في‭ ‬بدايتها،‭ ‬لكن‭ ‬يقِلّ‭ ‬بريقها‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭. ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬‮«‬رمسة‭ ‬عاشة‮»‬‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬أشارككم‭ ‬بُعداً‭ ‬آخر‭ ‬لمعنى‭ ‬البدايات،‭ ‬معنى‭ ‬غمرني‭ ‬وأنا‭ ‬أعيش‭ ‬محطّة‭ ‬تتكرر‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬كثيراً،‭ ‬هي‭ ‬إعادة‭ ‬اكتشاف‭ ‬ذاتي،‭ ‬في‭ ‬التفاصيل‭ ‬التي‭ ‬غفلت‭ ‬عنها‭ ‬مع‭ ‬ازدحام‭ ‬وسرعة‭ ‬الحياة‭. ‬

متى‭ ‬تجتاحنا‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬عادةً؟‭ ‬تحضرنا‭ ‬عندما‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة،‭ ‬تصل‭ ‬فيها‭ ‬أيامنا‭ ‬حدّ‭ ‬الإشباع،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تشابه‭ ‬التفاصيل،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬النجاح‭ ‬أو‭ ‬قمة‭ ‬السعادة،‭ ‬وأحياناً‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬تُسيطر‭ ‬فيها‭ ‬علينا‭ ‬الحيرة‭ ‬تجاه‭ ‬اختياراتنا‭ ‬المصيرية‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬ومهما‭ ‬كانت‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬تعيشونها،‭ ‬وأنتم‭ ‬تقرؤون‭ ‬‮«‬رمستي‮»‬؛‭ ‬أدعُكم‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬نُقطة‭ ‬انطلاق‭ ‬جديدة‭ ‬تبدؤون‭ ‬منها؛‭ ‬لأنه‭ ‬للبدايات‭ ‬روعة‭ ‬غير‭ ‬عادية،‭ ‬وعكس‭ ‬المتوقّع‭ ‬للبدايات‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬متقدمة‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمهنية‭. ‬وبالبدايات‭ ‬لا‭ ‬أعني‭ ‬أن‭ ‬نترك‭ ‬ما‭ ‬وصلنا‭ ‬له‭ ‬مهملاً،‭ ‬أو‭ ‬نهدم‭ ‬نجاحاتنا،‭ ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬من‭ ‬نُقطة‭ ‬شغف،‭ ‬طالما‭ ‬سيطرت‭ ‬على‭ ‬خيالنا‭ ‬واهتمامنا‭ ‬وأجّلناها‭ ‬مراراً‭.‬

يعرف‭ ‬المقربون‭ ‬منّي‭ - ‬من‭ ‬أهل‭ ‬وأصدقاء‭ - ‬أنني‭ ‬أعشق‭ ‬العطور،‭ ‬خاصة‭ ‬الإصدارات‭ ‬المحدودة‭ ‬أو‭ ‬المخصصة،‭ ‬لأنّها‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬تُشبه‭ ‬السفر،‭ ‬فمع‭ ‬كلّ‭ ‬عطر‭ ‬مميز‭ ‬رحلة‭ ‬ليست‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬فقط،‭ ‬لكن‭ ‬إلى‭ ‬مكونات‭ ‬متعددة‭ ‬الأصول‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬ومصادر‭ ‬فريدة‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬فرصة‭ ‬للتعرّف‭ ‬إلى‭ ‬ثمرة‭ ‬ذوق‭ ‬صانعة‭/‬‏‭ ‬أو‭ ‬صانع‭ ‬عطور‭ ‬أجادا‭ ‬مزج‭ ‬المواد‭ ‬في‭ ‬أرواحهما؛‭ ‬لتعطي‭ ‬هوية‭ ‬وعبقاً‭ ‬جديدين‭ ‬للمكونات،‭ ‬فالعطور‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬تحمل‭ ‬معها‭ ‬مناسبات‭ ‬وذكريات،‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭.‬

هذا‭ ‬الصيف،‭ ‬اخترت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إجازتي‭ ‬مُختلفة،‭ ‬فعدت‭ ‬فيها‭ ‬تلميذة‭ ‬على‭ ‬مقاعد‭ ‬الدراسة،‭ ‬لكن‭ ‬ليست‭ ‬دراسة‭ ‬أكاديمية‭ ‬بحتة،‭ ‬بل‭ ‬التحقت‭ ‬ببرنامج‭ ‬لواحدة‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬أكاديميات‭ ‬صناعة‭ ‬العطور‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بفرنسا‭. ‬مقالي‭ ‬ليس‭ ‬عن‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬بل‭ ‬عن‭ ‬الإحساس‭ ‬الذي‭ ‬رافقني‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬انضمامي‭ ‬إلى‭ ‬البرنامج،‭ ‬وهو‭ ‬إحساس‭ ‬جميل،‭ ‬وولادة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لروحي،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬جاءتني‭ ‬مشاعر‭ ‬تُشبه‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬سيطرت‭ ‬عليَّ‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬سفر‭ ‬لدراسة‭ ‬درجتَي‭ ‬الماجستير‭ ‬والدكتوراه،‭ ‬والحنين‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كُنت‭ ‬أراه‭ ‬اعتيادياً،‭ ‬وأسأل‭ ‬نفسي‭: ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أردت‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬أحتاج،‭ ‬أم‭ ‬أنّني‭ ‬استعجلت؟‭ ‬لكن‭ ‬الإجابة‭ ‬الشافية‭ ‬هي‭ ‬الانغماس‭ ‬في‭ ‬التجربة‭ ‬وتفاصيلها؛‭ ‬لأدرك‭ ‬معناها‭ ‬وقيمتها‭!‬

ها‭ ‬أنا،‭ ‬هنا،‭ ‬تلميذة‭ ‬على‭ ‬مقاعد‭ ‬عِطر،‭ ‬ظننت‭ ‬أنني‭ ‬أعرفه‭ ‬من‭ ‬قبل؛‭ ‬ولأصنع‭ ‬ما‭ ‬أحِب‭ ‬بحُب‭ ‬كبير،‭ ‬وأفهم‭ ‬بعمق‭ ‬سرّ‭ ‬تعلقي‭ ‬بالعطور‭ ‬وأثرها‭ ‬بروحي؛‭ ‬لأتمكن‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬عطر‭ ‬يُشبه‭ ‬إحساسي‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬قريباً‭. ‬ستكون‭ ‬بداية‭ ‬جديدة،‭ ‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬حياتي،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬أبقى‭ ‬هنا‭ ‬كثيراً،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬سيتغيّر‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬سأضع‭ ‬أهدافاً‭ ‬مؤجلة‭ ‬حيّز‭ ‬التنفيذ،‭ ‬وقد‭ ‬تولد‭ ‬معها‭ ‬نجاحات‭ ‬استثنائية‭ ‬غير‭ ‬عادية،‭ ‬تجعلني‭ ‬أكثر‭ ‬قُرباً‭ ‬من‭ ‬نفسي،‭ ‬التي‭ ‬أظنّ‭ ‬أنني‭ ‬أعرفها‭. ‬

في‭ ‬‮«‬رمسة‭ ‬عاشة‮»‬،‭ ‬أدعوكم‭ ‬لتكون‭ ‬أي‭ ‬مساحة‭ ‬متاحة‭ ‬لديكم‭ ‬فرصة‭ ‬لعثوركم‭ ‬على‭ ‬ذاتكم،‭ ‬بأخذ‭ ‬خطوة‭ ‬للبدء‭ ‬من‭ ‬جديد؛‭ ‬لتعيشوا‭ ‬روعة‭ ‬البدايات؛‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬مقصورة‭ ‬على‭ ‬التخرّج،‭ ‬أو‭ ‬الزواج،‭ ‬أو‭ ‬أوّل‭ ‬وظيفة،‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬الكثير‭. ‬فهناك‭ ‬بداية‭ ‬تستحقّ‭ ‬أن‭ ‬نبدأها‭ ‬كلّ‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬حياتنا؛‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬خلقنا‭ ‬لنعمّر‭ ‬الحياة،‭ ‬وكم‭ ‬هو‭ ‬جميل‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬من‭ ‬ذاتنا؛‭ ‬فنعيد‭ ‬بناء‭ ‬أرواحنا‭ ‬وحياتنا‭ ‬ككل‭.. ‬فهل‭ ‬خطر‭ ‬ببالكم‭ ‬الشغف‭ ‬الذي‭ ‬ستكون‭ ‬منه‭ ‬بدايتكم‭ ‬الجديدة‭ ‬بين‭ ‬سطور‭ ‬‮«‬رمستي‮»‬؟