عريقة وأنيقة، لكنها أيضاً متطورة وشابة وملونة.. هكذا هي مدينة نيس، العاصمة الثقافية للريفييرا الفرنسية (كوت دازور)، التي يبلغ عدد سكانها مليونَيْ نسمة، وتقع في منتصف الطريق بين موناكو وكان، بين جبال الألب، وخليج الملائكة. وعلى مر القرون، لم تفقد نيس سحرها النخبوي، إذ تشتهر بمناخها المشمس، وحياتها الاجتماعية التي لا تُضاهى؛ فهي المدينة الأكثر زيارة في جنوب فرنسا، وهي وجهة النبلاء لقضاء عطلاتهم منذ القرن التاسع عشر، حيث تنبعث رائحة الملح، وتتعزز الألوان بالضوء الذي يسطع في المدينة لأكثر من 300 يوم بالسنة. كما أن هندستها المعمارية الملونة، ومناخها الدافئ، ونمط حياة البحر الأبيض المتوسط الهادئ، تجعل من هذه المدينة الساحلية وجهة مفضلة للمشاهير والسياح، على حد سواء.

يعود تاريخ مدينة نيس إلى عام 350 قبل الميلاد، حيث شيدها الإغريق، لكن استعمرها الرومان بعد فترة وجيزة. عُرفت هذه المدينة بأنها مكان ترحيبي للفنانين، بمن فيهم بابلو بيكاسو، كلود مونييه، بول سيزان، هنري ماتيس، ورينوار، منذ أوائل القرن العشرين، وتواصل حتى اليوم دعمها للفنون، من خلال العديد من المتاحف الفنية، وكلها تقريباً مجانية للجمهور. وشوارعها عبارة عن متاهة من الأحجار المرصوفة بالحصى، التي تدعو زوارها إلى التجول بها دون استخدام خريطة، والتمتع بشواطئها المحمية من الرياح بالتلال المحيطة بها.

شواطئ عامة

نيس، أيضاً وقبل كل شيء، مدينة ساحلية تشتهر بشواطئها الحصوية والرملية، وكلها عامة ونظيفة جداً، وتشتهر أيضاً بوفرة النشاطات التي ينعشها العديد من الشباب، الذين يرتادون جامعتها المرموقة، ويعكس مظهر نوادي التصميم العصرية، والمباني ذات الطراز الرومانسي الكلاسيكي، مزيجاً رائعاً من العصور القديمة والحداثة، بأسلوب جميل وقادر على تحديد اتجاهات الرقي والأناقة في جميع أنحاء العالم.

المدينة التاريخية

قلب المدينة القديمة هو منطقة «كورس ساليا»، لكن مركز نيس هو ميدان «ماسينا»، الذي بني في القرن الثامن عشر، ويقع على بُعْد مربع سكني من الممر الخشبي، وقد كان قبل حوالي 4 قرون متنزهاً للمجتمع الراقي، والآن يعد موطن سوق الزهور الملونة في نيس، أحد أجمل ما في الريفييرا الفرنسية، وهو مكان مزدحم جداً بالمشاة، وموقع جيد لمشاهدة الناس، حيث مزيج من مباني الآرت ديكو والباروك، مع الأسطح الحمراء، والمصاريع الزرقاء، وهذا هو الطراز المعماري الرئيسي، الذي يزين مركز المدينة التاريخي الجميل، بأسلوب إيطالي بالكامل؛ إذ تحتوي المنازل على نوافذ كبيرة، وألوانها دافئة، تتيح للزائر التجول بين الأزقة الضيقة، التي تشبه المتاهة، وتصطف على جانبيها المطاعم التقليدية، والكنائس القديمة، مثل: كنيسة «جيزو»، وكاتدرائية «سانتا ريباراتا»، وقصر «لاسكاريس»، ومحال الجزارين الصغيرة، ومحال البيتزا، حيث يقوم بائعو الزهور وبائعو الفاكهة والخضراوات والمزارعون المحليون بإنشاء أكشاك ملونة وجميلة بشكل لا يصدق، ويخصص يوم الإثنين في هذا المكان لتجار التحف.

إقرأ أيضاً:  5 أخطاء يجب تجنبها عند زيارة جزر المالديف
 

سوق.. ومزار

يعد سوق «كورس ساليا» المفتوح من أشهر وأجمل الأسواق الموجودة بوسط مدينة نيس؛ فهو ليس مجرد سوق، بل هو مزار ومعلم سياحى كبير، حيث يمكن للزائر الاستمتاع برؤية السكان المحليين، وشراء المنتجات الطازجة في الهواء الطلق، وتناول القهوة في إحدى الساحات الصاخبة؛ إذ إن شرفات المطاعم ممتلئة في أي وقت من النهار أو الليل.

كرنفال نيس

بالإضافة إلى جواهرها الطبيعية والمعمارية، تمتلك مدينة نيس، أيضاً، برنامجاً ثقافياً متميزاً على مدار العام. ففي شهر فبراير، يقام سنوياً كرنفال يستمر مدة أسبوعين، يسمى «كرنفال نيس»، يتميز بعروض ألعاب نارية بارعة، واستعراض معروف بـ«معركة الزهور»، حيث يتم إلقاء مئات الآلاف من الزهور من موكب عائم، وحشود مرحة. كذلك، تشتهر نيس بحبها لموسيقى الجاز، ويقام فيها مهرجان الجاز لمدة أسبوع في يوليو من كل عام، ويحضره دائماً أكبر الأسماء في هذا النوع الموسيقي.

«خليج الملائكة»

تتم إقامة الكثير من الأحداث في مدينة نيس على طول البحر، ففي «منتزه دو إنجليز»، وهو ممر يبلغ طوله ثلاثة أميال (5 كيلومترات)، يتجمع السكان المحليون والسياح على شواطئ المدينة. وفي هذا المكان الحيوي الكثير من المقاهي والمطاعم، حيث يعج بالسيارات الباهظة الثمن، التي تملأ الشارع، وكذلك اليخوت الخاصة على «خليج الملائكة»؛ إذ تجذب مدينة نيس أثرياء العالم ومشاهيرهم.. من ملكة إنجلترا، إلى أنجلينا جولي.

سلطة.. وفطائر

تشتهر مدينة نيس بمطبخ مميز ومحبوب، حيث يمكن للزائر أن يجرب الأطباق المحلية، مثل: «سالاد نيسواز»، وهي سلطة تتكون من الخس، والطماطم الطازجة، إضافة إلى البيض المسلوق، أو تتذوق كريب الحمص (سوكا)، وهو نوع من الفطائر (البانكيك)، يعد من دقيق الحمص، وزيت الزيتون، وعادة يكون متبلاً بالفلفل الأسود، ويتم تناوله ساخناً. ويحتوي الحي على متاجر تقليدية صغيرة، تهيمن عليها جواهر الزهور والنباتات، مثل: الخزامى، والتوابل، والنباتات العطرية، والشموع المعطرة التي تمتزج روائحها مع تلك الموجودة في الكوكيز المحلي، وكعكة الذرة المذهلة، التي تمتد شهرتها إلى ما وراء الحدود.

متاحف

توفر مدينة نيس لعشاق الفن بعض المعالم الثقافية في الريفييرا الفرنسية، مثل «متحف ماتيس»، الذي يقدم جولة تصويرية رائعة لبعض أعمال الرسام الشهير هنري ماتيس. والمتحف مخبأ خلف نباتات البحر الأبيض المتوسط الجميلة، ويتميز مبنى المتحف بواجهة «بورجوندي» مليئة بالستائر الباهتة، ويمثل ملحمة رائعة في مدينة هذا الرسام، تشهد على تطوره الفني، وهناك متحف «مارك شاغال» الوطني. ومن الأماكن الثقافية الأخرى: متحف الفن الحديث والمعاصر، والمتحف الدولي للفنون، والمتحف الأثري.