يقولون عنها: «مغرورة». وتقول عن نفسها: «لي كبريائي وعزة نفسي، ولا أركع إلا لربِّ العباد». حاستها السادسة قويّة، وشخصيتها فذة، وأسلوبها في الكلام يقسو ويؤذي. وهذا ما دفع «أوفياء» إلى الانسحاب تدريجياً من حياتها. فهل تتحمل ذنب تحطيم صداقات عميقة؟ هل عليها أن تلوم نفسها على تصرفات تُبعد عنها الآخرين؟ هل هي مسؤولة عن كلام تفوهت به أساء إلى أقرب الأقربين؟ هي تعرف أن الاعتذار من شيم الكرام لكنها تعجز عن الإدلاء باعتذار حتى لو أدركت متأخرة أن تصرفها أتى مشيناً سيئاً. حاولت، مرة، أن تعتذر؛ فتصبب جبينها عرقاً، وارتجف صوتها، وتلعثمت؛ فغادرت مسرعة قبل أن تفعل؛ خوفاً من أن يلاقيها الآخر بجفاء. فهل كبرياؤها سبب عزلتها؟ هل طباعها هي السبب؟ هي تفكر كثيراً، بينها وبين نفسها، بما تفوهت به، وبما تصرفت به، وبما اقترفته لكن شتان، بالنسبة لها، بين ما تشعر به وبين ما قد تعترف به. إنها في دوامة حقيقية البقاء فيها مؤذٍ والخروج منها محال.. فهل حالتها طبيعية أم هي حالة نفسية مرضية؟

فلنبدأ من الآخر.. تصرف ابتسام خاطئ تماماً؛ لأن الاعتذار عن الخطأ لا يجرح الكرامات، بل يجعل المعتذر كبيراً في نظر من أخطأ بحقهم. لكن، المشكلة هي في كيفية إقناع ابتسام، ومن هم مثلها، بذلك. أخصائي علم النفس والاجتماع، الدكتور عبدالجبار شكري، يتكلم «عن ثقافة الاعتذار، التي تنبثق من الكينونة الأخلاقية والإنسانية، المتمثلة في الوعي والحرية والإرادة لدى الإنسان. فعندما يحترم هذا الإنسان كرامة الآخرين فإنه يحترم إنسانيته فيهم، لذا حينما تتعرض علاقته مع الغير لسوء تفاهم، وتصدر عنه أخطاء تؤثر سلباً في كرامات الآخرين، عليه أخلاقياً أن يفتح قنوات التواصل والحوار مع الآخر، والاعتذار إليه».

صورة الذات

الاعتذار قوّة، المسامحة أيضاً قوّة، وبين الحالتين كثير من الشجاعة والأخلاقيات. لكن، في حالة ابتسام، لو أقدمت على الاعتذار إلى صديقة، وهي مترددة باردة تتلعثم، لربما اعتبرت صديقتها ذلك إهانة ثانية. فالاعتذار له قواعد، أبرزها أن يكون حاراً، ومن القلب، وحينها يلاقيه الآخر بسعة قلب. كما يفترض أن يتمم المعتذر أجزاء الاعتذار الثلاثة: أنا آسف.. لقد أخطأت.. وما الذي يمكنني القيام به لأصحح ما فعلته؟ والجزء الأهم هو الذي يضع نقطة في آخر سطر الخلاف أو الاختلاف. 

طرحنا مسألة ابتسام على أخصائية العلاج النفسي صابرين مرتضى، فقالت: يعجز البعض عن الاعتذار، كما يعجز آخرون عن المغفرة. لكن، كما تعلمون، هناك أشخاص غير قادرين على التلفظ بعبارة: «أنا آسف/ آسفة»، وسبب ذلك سوء إدارة الصورة الذاتية، فكل الأشخاص يبنون هويتهم الخاصة بناء على سلسلة من الأفكار والمعتقدات حول الذات. «الأنا» تسمى مفهم الذات أو الصورة الذاتية التي تعطي كل شخص فكرة معينة عن خصائصه ونقاط ضعفه أو قوته. في هذا الإطار، هناك أشخاص لديهم صورة ذاتية حساسة؛ فيظنون أن الاعتراف بالخطأ يمكن أن يتسبب في «اهتزاز» احترامهم لذاتهم. ابتسام قد تكون من هذا الصنف من الناس، الذين يعجزون عن الاعتذار علناً؛ كي تحمي صورتها الذاتية. وهي إذا تشجعت واعترفت فقد تلجأ إلى إلقاء اللوم على أشخاص آخرين، فلا تعود المشكلة بينها وبين الشخص الذي أساءت إليه، بل تُقحم الآخرين، عبر فبركة أخبار، كي تخفف عبء الاعتذار عن نفسها. 

كيفية تقديم الاعتذار

هل يفترض تقديم الاعتذار فوراً، أم التريث قليلاً قبيل الإدلاء به؟.. هناك من ينطلق من وجوب تقديم الاعتذار الفوري، انطلاقاً من عقيدة ثقافية لديه، مفادها أن التردد غير مُجدٍ. لكن، في المقابل، هناك في علم النفس من ينصح بوجوب تعلم فنّ الانتظار. نعم، هناك استراتيجية وراء المماطلة في تقديم الاعتذار، وغالباً تكون لذلك نتائج أفضل. هناك من يُشجع على الاعتذار بعد منح «الضحية» فرصة للصراخ، وتنفيس الغضب. على كل حال، تتعلق المسألة بحجم «الارتكاب»، الذي نفذه المرء في حق آخرين، فمن تنمر لأسلوب «صديق» في تنسيق ملابسه يفترض به الاعتذار الفوري. أما من ارتكب خيانة في حقّ زوجته؛ فيجب عليه التريث قبل تقديم الاعتذار؛ كي تكون قد تخطت الفترة بين المعرفة القاسية والغضب الجامح. 

الثقة بالنفس

في المقابل، هناك من يُكثرون ترديد كلمة «آسف»، دون أن يقترفوا خطأ، فيستخدمون مع الآخرين عبارات من نوع: «عذراً.. لم أستطع المجيء مبكراً»، و«آسف.. لا يمكنني المشاركة في الاجتماع»، و«آسفة لإزعاجك».. فهل هناك مخاطر للإفراط في الاعتذار توازي عدم الاعتذار حيث يجب؟

يقال في علم النفس إن من يُكثر قول: «آسف»؛ يدل على سعيه، دون وعي، إلى الحصول على الطمأنينة قبيل مشاركته أفكاره، ورفع منسوب ثقته بنفسه. ويبدو أن الإفراط في الاعتذار شائع بين الأفراد الذين يعانون تدني احترام الذات أو الخوف أو الرفض أو الانتقاد. وهؤلاء يبذلون قصارى جهدهم للتكيف، من خلال الاستعانة دائماً بعبارة مطمئنة. وهؤلاء يظنون أنهم يعرضون أنفسهم كأشخاص لطفاء غير أنهم، واقعياً، يرسلون إشارات بأنهم يفتقرون إلى الثقة بالنفس. وبالتالي، نصيحة إلى مثل هؤلاء بالاعتذار عما يرونه غير ملائم من دون استخدام كلمة «آسف». ويمكن أن يقولوا على سبيل المثال: «لا يمكنني حضور هذا الاجتماع، وهذه هي أفكاري، ولديّ وجهة نظر مختلفة أود مشاركتها». وبذلك، يتمكنون من إثبات امتلاكهم أفكاراً، ووجهات نظر وآراء فريدة وثقة بالنفس لافتة. 

رفض الاعتذار

انطلاقاً من كل المعطيات، فإن رفض الاعتذار مثله مثل الإفراط في الاعتذار، خطأ.. فهل نفهم من ذلك أننا يجب أن نمضي قدماً في حياتنا، كأننا لم نرتكب أخطاء على الإطلاق؟!

نصيحة إلى ابتسام، وإلى كل من لم يحددوا بعد تلك الشعرة الرفيعة بين ما هو صحيح وما هو خطأ في قواعد الاعتذار، بأن يتعلموا كيف يستخدمون كلماتهم بدقة، وأن يعتذروا حينما يشعرون بخطأ اقترفوه، أدى إلى الإساءة إلى إنسان.

وهناك مشاعر معقدة من مفهوم الاعتذار لدى الكثيرين، تحددها طبيعة التربية، وقواعد التحدث والسلوكيات منذ براعم العمر. لكن، ما يثبت يوماً بعد يوم هو أن أول من يعتذر هو الأكثر شجاعة، وأول من يغفر هو الأكثر قوة. الاعتذار عند اقتراف خطأ يرفع منسوب سعادتكم. جربوا ذلك، وستتأكدون. إنه يساعد على وضع الخلاف وراءكم، والمضي قدماً بسهولة أكبر، وبجعل علاقاتكم أكثر متانة، إنه يستحق حقاً أن تبذلوا جهداً لتقديمه.

إقرأ أيضاً:  اختبار نفسي ..هل تعرف قيمة الاعتذار؟