فتاة بكامل أناقتها، رائحة العطور تفوح منها، وعيناها ذكيتان، وقفت تنتظر وصول المصعد. ألقت التحيّة على امرأة تنتظر بدورها وصول المصعد وصعدتا معاً. هي إلى الطابق التاسع، والمرأة إلى الطابق السابع. ثوانٍ وتوقف المصعد. هناك عطل طارئ، هو أمر قد يكون عاديا لكثيرين وكثيرات، لكنه لم يكن كذلك أبداً لها. راحت تصرخ بشكلٍ هستيري: «النجدة.. النجدة..»، ثوانٍ إضافية وسقطت أرضاً، وبدأت ترتجف مثل ورقة في مهب عاصفة، والعرق يتصبب من جبينها ووجنتيها. بدأت المرأة بدورها تصرخ: «أرجوكم.. هناك حالة طارئة في المصعد.. أرجوكم أسرعوا في فتح المصعد». هي لحظاتٌ صعبة للغاية لكلتا المرأتين: الأولى بسبب العارض الذي مرّت به، والثانية التي وجدت نفسها غير قادرة على تهدئة الأولى.. فماذا حصل معها؟ لماذا كل هذا الذعر؟ هل تعاني فوبيا الأماكن المغلقة؟ وكيف يمكن التعامل مع حالات من هذا النوع؟

  • باربرا سترايسند كانت تعاني رهاب الأماكن المكشوفة.

الفوبيا (الرهاب) أنواع يجمعها الذعر من أشياء وأمور وحالات. ومن أنواع الفوبيا: الأجروفوبيا (أي الرهاب من الأماكن العامة المكشوفة والعالية والواسعة)، والكلوستروفوبيا (أي الهلع من الأماكن المغلقة مثل المصعد). الفتاة ريما التي وجدت نفسها في مصعد مغلق معطل تعاني الكلوستروفوبيا منذ زمن. وعبثاً حاولت أن تتعاطى مع الموضوع بشكلٍ طبيعي، وفي كل مرة تجد نفسها في مصعد أو طائرة أو قطار سريع تتسارع دقات قلبها كثيراً، وتبدأ في احتساب الوقت الباقي، متوترة قلقة مشدودة جامدة. وما حصل معها اليوم، أن قلقها اشتد كثيراً، بعدما أيقنت أنها أصبحت سجينة المصعد المغلق. فماذا لو لم يسمع نداءها أحد؟ ماذا لو انقطع عنها الهواء وماتت؟ وألف ماذا وماذا؟ وحالة ريما مثلها حالات على امتداد الأرض ومن فيها. 

الانفصال عن الأحباء

أخصائية علم النفس العيادي، الدكتورة إليانا قاعي، تؤكد «أن من يمرون بحالات كهذه أول ما قد يشعرون به هو الدوار، وذلك لأسباب نفسية مرتبطة باحتجازهم في يوم ما بمكان مظلم، ضيّق، فيداهمهم إحساس شبيه بالاختناق، يترافق مع هبات ساخنة وغثيان، وصولاً إلى حدّ الإغماء».

ليست سهلة، أبداً، كل تلك المشاعر التي تطغى على من يعانون الفوبيا بأنواعها. وهؤلاء يحتاجون إلى من يفهمهم ويساعدهم على التفكير الإيجابي. الكلام طبعاً سهل، لكن كل ما قيل لـ«ريما»، وهي عالقة في المصعد، أو ما قد يوجّه إلى أمثالها من نصائح للاسترخاء، لا ولن يفعل فعله، حينما تبدأ نوبة الهلع. على كل حال، غالباً يحاول من يعانون فوبيا الأماكن المغلقة أو الأماكن المكشوفة تجنب ارتياد أو استخدام ما يجعلهم في مواقف شبيهة بالموقف الذي تعرضت له ريما. 

إقرأ أيضاً:  قلة النوم.. هل تجعلك أكثر شراً وشراسة؟
 

وفي التفاصيل، يتعلم كثيرون التعامل مع أعراضهم، لكن قد لا ينجحون دائماً. وبحسب علم النفس، كثيراً ما يربط هؤلاء المصابون وجودهم في أمكنة مغلقة، مقفلة على مجهول، بين وحدتهم فيها، وانفصالهم عن أحبائهم. إلى ذلك، لا يغيب عن التحليل النفسي انتقال تلك الحالة إلى التربية، ومعاناة الأم الفوبيا، وخوفها الدائم الظاهر أمام أطفالها.

إدارة الأعراض

إذا كان هناك من يصابون برهاب الأماكن المغلقة، فإن آخرين قد يعانون، وبشدة أيضاً، رهاب الأماكن المكشوفة. فيشعرون بضعفهم وعدم قدرتهم على الهروب أو النجاة في المساحات المفتوحة، وغير المألوفة، وحينما تكثر الحشود أيضاً في وسائل النقل العام على سبيل المثال. وهذا النوع من الرهاب أكثر شيوعاً بين النساء. وغالباً يبدأ قبل العقد الثالث. ووجود قريب يعاني أعراض هذا الرهاب يزيد إمكانية الإصابة. على كل حال، يجب عدم الخلط بين نوبات الخوف العادية، وتلك الناتجة عن رهاب المساحات المكشوفة أو المغلقة. والأعراض في كل هذه الحالات قد تتشابه بين: ألم في الصدر، أو دقات قلب سريعة وفرط التنفس، أو صعوبته والشعور بالدوار وبقشعريرة مفاجئة، أو باحمرار مفاجئ في الوجه وبتعرق مفرط. 

يُصار إلى علاج رهاب الخلاء أو المساحات المغلقة بتغيير نمط الحياة والأدوية، وباستخدام العلاج السلوكي المعرفي وتقنيات الاسترخاء. وقد يكون العلاج بجعل المصاب يتخيل موقفاً مخيفاً، ويتعلم كيف يتحكم في مشاعره. وكلها علاجات ستسمح حتماً للمصاب بالرهاب بتدريب دماغه على التفكير بشكل مختلف. وممارسة الرياضة تنفع، أيضاً، ومثلها ممارسة تمارين التنفس. وفي النسب المئوية ثلث المصابين قد يتغلبون على اضطرابهم، ويصبحون خالين من الأعراض، في حين يتعلم الباقون إدارة الأعراض بشكل أفضل.