لمع اسمه لسنوات طويلة في عالم الكاريكاتير، حيث كان ينشر رسوماته في كبرى وسائل الإعلام، قبل أن يحترف فنوناً تشكيلية أخرى، معظمها يتمحور في عالم التصميم والنحت، وتحويل مخلفات «الذاكرة» إلى تحف فنية.. إنه الفنان التشكيلي السعودي سعد الهويدي، الذي يرى أن المجتمع السعودي تغيرت نظرته إلى الفنون عموماً، خاصة بعد الدعم الحكومي، الذي تناله قطاعات الفنون المختلفة في المملكة العربية السعودية، خلال السنوات الأخيرة.. التقته «زهرة الخليج»؛ فحدثنا عن جوانب فنية وحياتية عدة، خلال هذا الحوار:

• بين الفنون المعاصرة والكاريكاتير.. أين تجد نفسك أكثر؟

- بدأت ممارسة فن الكاريكاتير منذ عام 1990، كانت مرحلة البداية في عالم الفنون، وتوقفت عن نشر الكاريكاتير في الصحف المحلية عام 2013، بعد رحلة استمرت 23 سنة. كان الكاريكاتير، بالنسبة لي، نافذة لمشاركة المجتمع في الأحداث المحلية والعالمية، وتوقفت عن رسم الكاريكاتير في الصحف بسبب دراستي في جامعة الملك سعود بالرياض، حيث بدأت رحلة جديدة؛ للحصول على درجة الدكتوراه، واستمرت الرحلة ست سنوات. عام 2018، حصلت على درجة الدكتوراه في مجال الفنون البصرية، وكانت بداية لاستكمال مسيرتي الفنية، لكن بأدوات جديدة تعتمد على البحث والتجريب. أعتقد أن رحلتي في مجال الكاريكاتير مهمة جداً، ومهدت للمرحلة اللاحقة في مجال الفنون المعاصرة، حيث ساعد الكاريكاتير في طريقة التعاطي مع العمل الفني، سواء في اختزال الأفكار، أو عمليات البحث والتفكير. غالباً تقودني بعض الأفكار إلى مناقشتها بشكل ساخر، من خلال الفنون المعاصرة. في الفترة الحالية، ركزت كل البحث والتفكير في الفنون المعاصرة، وعادة يراودني الحنين إلى الكاريكاتير بين الحين والآخر، لكنني أرى نفسي في الفنون المعاصرة، ولديَّ الكثير لتقديمه داخل السعودية وخارجها. 

«صهر الذاكرة»

• لافت جداً استخدامك الذاكرة بشكل كبير في أعمالك الفنية المعاصرة.. هل هو حنين إلى الماضي، أم حزن على الحاضر؟ 

- عادة أعود إلى الذاكرة في أعمالي الفنية، وأجد نفسي أبحث فيها، وأستلهم منها، الذاكرة بالنسبة لي كنز الأمم، وأي أمة أو ثقافة ليست لها جذور أمة خاملة ضعيفة ليس لها مستقبل، وأسأل نفسي دائماً: هل يمكننا العيش دون ذاكرة؟.. الفن هو أفضل طريقة، بالنسبة لي، للتعبير عن مخيلتي، ووجهات نظري، والمواقع التي أعيش فيها، وأفكاري الواقعية وغير الواقعية، ويمكن تلخيصها في عبارة «الفن شكل من أشكال التواصل، يسعى الفنان لإنتاجه باستخدام العديد من الوسائط لنقلها إلى الجمهور». ويشكل جوهر عملي في الاستوديو قصة مرئية، من خلال ملاحظة دهشة المشاهد، وهذه الدهشة تنعكس على شخصيتي، وعادةً أحصل على الإلهام من الناس وتراثهم، ومن الثقافات الأخرى ومدى تشابهها وتقاطعها، كما أستكشف المفهوم وأقرأ عنه قبل أن يتطور، ثم تبدأ رحلتي في العمل الفني ببلورة هذه الأفكار ومعالجتها، واختيار أفضل المعالجات البصرية. بالنسبة لي، الفن مفهوم يتطور معي يومياً، ومساحة عاطفية ممتعة، ورابط روحي بيني وبين العمل الفني. 

• ما اللحظات والمواقف التي تدفعك إلى عالم الكاريكاتير؟ 

- معظم اللحظات المثيرة للاهتمام، والساخرة، تدفعني إلى رسم الكاريكاتير. عادة، المواقف المزدوجة، ووجهات نظر الناس حول موقف معين.. سياسياً أو اجتماعياً. 

• لنتوقف عند عمل «صهر الذاكرة».. حدثنا أكثر عن فكرته والمواد المستخدمة فيه! 

- عام 2020، حصلت على منحة «مسك» للفنون مع خمسة فنانين آخرين، واستوحيت عمل «صهر الذاكرة» من تشققات الشوارع وتصدعات جدران البيوت القديمة، محاولاً - من خلال العمل - دمج ذاكرتنا الجماعية، وعرضها في تكوين واحد مع قطع مذابة لمجموعة من ألعاب الأطفال البلاستيكية. استخدمت كمية كبيرة من الألعاب مع مادة «الفايبرغلاس»، كان الشارع مكاناً لممارسة الألعاب، ومقابلة الأصدقاء. في هذا العمل رجعت إلى الحي القديم الذي عشت فيه طفولتي، فوجدت تشققات في أرضية الشارع، وقد أحضرت معي ألعاباً بلاستيكية بألوان مختلفة، وبعض أشرطة الكاسيت، وقمت بتذويبها في هذه التشققات. هذا العمل يمثل صهراً لذاكرتي في شارع الحي. 

معارض داخلية وخارجية

• أطلقت مجموعة «البشت».. ما فكرة هذه المجموعة، وهل هي خطوة أولى لتصميم الأزياء؟ 

- «البشت» سلسلة مشروع تم تنفيذه قبل ست سنوات تقريباً، كانت الفكرة تدور حول التأكيد على الثقافة المحلية، وتسليط الضوء على حرفة صناعة البشوت، التي تميز بها أهل مدينة الأحساء. في سلسلة أعمالي، قدمت «البشت» في قالب معاصر، استلهمته من الطرز المعمارية في المملكة العربية السعودية، تم عرضه في معارض فنية بين الرياض وجدة، وتم اقتناؤه من جهات حكومية، ومن مقتنين في السعودية والإمارات العربية المتحدة. بالنسبة لتصميم الأزياء، قدمت مجموعة تصاميم للبشت في المهرجان السعودي للجواد العربي بنسخته الثانية (عبية في الدرعية)، بالشراكة مع هيئة تطوير الدرعية، قدمتها كأزياء للخيل العربي، وتعكس التصاميم جمال الخيل العربي، والملاحم التاريخية التي سطرها الملك عبدالعزيز أثناء فتح الرياض، وتوحيد المملكة العربية السعودية. كما قدمت عملاً فنياً في الدرعية، يحاكي الطرز المعمارية والتطور العمراني في المملكة، بالتعاون مع «أتروم آرت» (Atrum Art)، ومجوهرات داماس، والعمل يحكي عن قصة التطور العمراني من بيوت الطين والبيوت الخرسانية، إلى الأبراج والمدن المعاصرة في المملكة العربية السعودية. 

• شاركت في معارض متنوعة.. ما أهمية المعارض اليوم، في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي؟ 

- المعارض الفنية، الداخلية أو الخارجية، نافذة مهمة لكل فنان؛ للتواصل مع العالم، والمشاركة في المعارض والتظاهرات الفنية الدولية، وهي جزء كبير من تسويق الفنان؛ للتعرف إلى المجتمع الفني (الغاليري، أو المتاحف الفنية، أو المقتنون، أو القيّم الفني). وسائل التواصل الاجتماعي، وسيلة للحوار، ونشر الأعمال والمعارض الفنية، ودعم الحراك الثقافي والفني في المملكة العربية السعودية. 

• تعيش المملكة انفتاحاً في كل الجوانب الحياتية والاجتماعية.. كيف أثر هذا الانفتاح في الفن التشكيلي والفنانين؟ 

- تعيش المملكة العربية السعودية، حالياً، عصراً ذهبياً في جميع الجوانب الثقافية والاجتماعية. هذا الانفتاح، الذي نشهده، انعكس بشكل إيجابي على جميع الفنون، وأسهم في تطويرنا كفنانين ممارسين للفنون البصرية، ورفع سقف التحدي والتوقعات، كما أن وزارة الثقافة تسعى إلى دعم الفنانين والفنانات، وتسهيل كل الإمكانات؛ لتنظيم الحراك الثقافي والفني، ووضع الاستراتيجيات، وتوقيع الاتفاقيات مع الدول الصديقة؛ للوصول بالفنان السعودي إلى العالمية. 

نظرة جديدة

• هل تغيرت نظرة المجتمع السعودي إلى الفنون؟ 

- نعم، ففي السنوات الأخيرة تغيرت نظرة المجتمع إلى الفنون، وأصبح لها حضور لافت في المعارض الفنية والمحاضرات والندوات، وأصبحت المناسبات الفنية لها طعم آخر بوجود الناس ومشاركتهم، والاهتمام بأنواع الفنون، ومناقشة الفنانين حول الأعمال الفنية، كما بدأت تظهر مجموعة من الفنانين الصاعدين، الذين لهم حضور قوي في المعارض. 

إقرأ أيضاً:  "محيط في قطرة" في جميل للفنون.. يعيد سحر العلاقة بالمياه
 

• ما مشاريعك الحالية والمستقبلية في مجال الفنون؟ 

- حالياً، أعرض مجموعة أعمال بمدينة فينيسيا في إيطاليا «معرض قيد التأليف» (Re-composing)، مع 13 فناناً وفنانة من السعودية مع غاليري (369 Art Gallery). وأعرض مجموعة أخرى من الأعمال الجديدة مع غاليري إيوان القصار في مدينة الدوحة بدولة قطر الشقيقة. كذلك، حالياً، أنا موجود في جنوب فرنسا مع ثمانية فنانين بمدينة أفنيون، في إقامة فنية مع شركة «Alma Feels»، وهي شركة مهتمة بقطاع الفنون، ودعم الحراك الثقافي والفني في السعودية، وإقامة برامج وزيارات فنية وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة. وفي نهاية الإقامة الفنية، سوف يتم ختامها بمعرض جماعي في مدينة الرياض. كذلك لديَّ مجموعة من المشاركات الفنية داخل السعودية مع معهد مسك للفنون (Misk Art Institute)، والرياض آرت (Riyadh Art) في مهرجان نور الرياض (NOOR Riyadh) الذي يحتفل بالضوء والفن، ومجموعة من الأعمال الفنية خارج المملكة.