كلام كثيراً ما يدور في أذهان متتبعي الأعمال الغنائية العربية، التي يقدمها نجوم كبار لهم تاريخهم الحافل، ومشوارهم الطويل، عن عطائهم الفني وعن توقفهم عند أغانٍ معينة.
وهناك من يرى أن هؤلاء النجوم اتبعوا المثل الشعبي القديم، الذي يقول: "إن طلع صيتك.. اتغطى ونام"، للدلالة على أن نجوميتهم وانتشارهم والأضواء التي تلاحقهم، تشفع لهم في إخفاقاتهم الفنية التي تتوالى، بدليل أن حفلات معظم هؤلاء النجوم ترتكز في معظمها على أغنياتهم القديمة، التي حققوا بسببها النجومية التي تحيط بهم، ولا يعتمدون فيها على جديدهم الغنائي، ولا يقدمون سوى بضع أغنيات منها.

نضج فني
يقول الناقد الفني المصري، محمد عبدالرحمن، إن استمرار أي فنان بتقديم ذات الأسلوب في جميع أغانيه؛ يحرمه مرحلة النضج الفني، التي على كل فنان المرور بها. ويرى عبدالرحمن أن خوف بعض الفنانين من انحسار الأضواء عنهم، يجعلهم يجارون الموضة و"الترند"، وهم بذلك "يخسرون قيمتهم الفنية بتقديم أعمال لا تعيش أكثر من أيام قليلة، بدليل كثرة إصدارات أغاني (السينغل)، التي أطلق عليها شخصياً (الأغاني المؤقتة)".
ويشير عبدالرحمن إلى ضرورة أن تبقى روح المغامرة متقدة لدى الفنانين، وأن يجربوا تقديم أغنيات تناسب مرحلتهم العمرية، موضحاً: "التجديد والرؤية الفنية سبب نجاحهم عند ظهورهم، فما الذي يمنع من تجريبهم تقديم أغنيات تناسب أعمارهم الحقيقية على مستوى المضمون، وألا يبقوا في إطار صورة العاشق الذي مازال يحب في كل أغانيه منذ 40 عاماً".

تدرج تصاعدي
بدوره، يشير الموسيقي اللبناني، بلال الزين، إلى أهمية إدراك الفنان طبيعة المحتوى الذي يرغب في تقديمه بأغانيه، ويقول: "معظم المغنين يبحثون عن الأغاني التي تتألف من الكلام البسيط واللحن الإيقاعي، باعتبارهما من مواصفات الأغاني الناجحة والضاربة بلغة السوق، لكن الفنان الحقيقي هو الذي يتدرج في مشواره الفني تصاعدياً، وتعكس أعماله مراحل النضج الفني التي يمر بها، فأنا شخصياً من مؤيدي فكرة أن يعيش الفنان عمره الحقيقي في ما يقدم، ليكون صادقاً وينجح مع الناس". ويجد الزين أن نجاح بعض الأغنيات البسيطة، التي يقدمها مغنون مشهورون، سببها "اسم الفنان، لأنه لو غناها أحد من المغنين الشباب لن تنتشر، بدليل أن هذا النوع من الأغاني لا يعيش أكثر من أسبوع حالياً".

فرض الذوق الجميل
من جهته، يرى الشاعر الغنائي المصري، أحمد المالكي، أن على المغني فرض الذوق الجميل على الجمهور، ويشرح: "إذا سار أي فنان على قاعدة (الجمهور عاوز كده)، سيساهم حينها في ردم مقومات الفن الجميل، فعليه أن يقدم أفكاراً ناضجة في أعماله، وألا يخشى تقدمه في العمر". ويضرب المالكي المثل بأم كلثوم، التي قدمت "الأطلال"، وعبدالحليم حافظ الذي غنى "قارئة الفنجان" في مراحل متقدمة من حياتهما، ويوضح: "لم تخشَ الست أو حليم تقديم أعمال غنائية أصعب تكنيكاً فنياً من أعمالهما، ولم يذهبا إلى الأعمال البسيطة، بل كان لديهما توازن واضح وكبير في اختياراتهما، ولم يخشيا التجريب والتجديد الفني، والنتيجة أنهما مازالا موجودين".

مرآة فنية
يبين الموسيقي الأردني وائل الشرقاوي أن نجاح أي فنان لمدة تزيد عن عشرين أو ثلاثين عاماً، يعني أن "ما وصل إليه الفنان يرتبط بوجود مرآة فنية، يرى نفسه وفنه بها، ويدرك انطباع جمهوره عنه". ويوضح الشرقاوي: "المغني الذي يصل لسن الخمسين وأكثر ومازالت أعماله تحصد النجاح، يدل على صواب اختياراته وذكائه في التعامل مع الساحة الفنية، فهو يستطيع التعامل مع جمهور الجيل الجديد بأسلوبه ورؤيته الفنية، مستخدماً الأدوات الرائجة ويطوعها بالشكل الموسيقي الذي يقدمه، بعيداً عن الإسفاف والكلام غير المقبول". ويؤكد الشرقاوي أن طرح الأعمال البسيطة موسيقياً من قبل كبار الفنانين، لا يعني إفلاسهم الفني، ووصولهم للإسفاف الغنائي، بل رغبتهم بتقديم أعمال تشبه الموسيقى الدارجة لكن دون محتوى قد يؤذي المستمع.

إقرأ أيضاً: تامر حسني يروي قصته مع المخرجة سارة وفيق