غابة خضراء، شلالات هادرة، جبال شاهقة، متنزهات ومواقع تاريخية وتراثية، تجعل محافظة عسير الواقعة جنوب غرب السعودية وجهة سياحية بامتياز، ومركزها مدينة أبها، التي تعد نقطة انطلاق باتجاه القرى التراثية المجاورة، ومنها قرية «رجال ألمع» الشهيرة بطابعها المعماري الخاص، وينظر إليها كواحد من أجمل المصايف في السعودية.

كل عام، تجذب منطقة عسير الآلاف من الزوار، الراغبين في تمضية أوقات جميلة بين ربوع الطبيعة، والاستمتاع بالهواء البارد، ومناظر الأشجار والمياه والوديان والجبال، لاسيما جبال السودة التي تبعد 20 كلم فقط عن مدينة أبها، وترتفع أكثر من 2800 متر عن سطح البحر؛ ما يجعلها أعلى قمة في السعودية، كما تتميز بنمو أشجار العرعر الكثيفة على سفوحها. 

  • طرق القرية وممرات بيوتها تعكس طرازاً معمارياً عريقاً وفريداً.

وبجانب تلك الجبال، تقع قرية السودة السياحية ومتنزهها الشهير، الذي تم وصله بقرية «رجال ألمع» الغنية بمخزون تاريخي وتراثي من خلال تلفريك، يسهل الوصول إليها. لكن العربات المعلقة ليست الوسيلة الوحيدة التي تؤدي إلى «رجال ألمع»، فيمكن للسياح والزوار أن يسلكوا الطرق الجبلية الضيقة والمتعرجة، ثم يعبرون نفق «شعبين» أحد أطول الأنفاق في السعودية، والذي يخترق جبل رَز، المحيط بالقرية، ليصلوا إلى وجهتهم.

فن العمارة

أول ما يلفت نظر الزائر إلى قرية «رجال ألمع»، التي تبدو كأنها خارجة من كتاب تاريخ، تلك المنازل والحصون والقصور التي تتميز بطرازها المعماري البديع، ومنها «بيوت خبز الزنجبيل»، وهي الصفة التي أطلقها بعض الغربيين على المباني القديمة المتراصة جنباً إلى جنب في مساحة صغيرة، لشكلها الذي يشبه بيوت الزنجبيل، التي تباع بالغرب في فترة أعياد الميلاد.

تجذبك البيوت المكونة من ستة إلى ثمانية طوابق، بنوافذها وأبوابها المزينة بنقاط وخطوط بيضاء، فيما بعضها ملون بالأصفر أو الأزرق، وتبدو كأنها تدعوك إلى دخولها؛ لتنعم بضيافة وكرم أهل تلك البلدة الواقعة بين الجبال، والتي شكلت - في ما مضى - نقطة وصل بين مكة واليمن والشام والبحر الأحمر.

  • طبيعة برية تنطق سحراً.

أما قصور وحصون البلدة، فتمتد شامخة نحو السماء، زاهية بماضيها الحافل بالحكايات عن بطولات رجال البلدة، الذين حاربوا وقاوموا العثمانيين قبل أكثر من قرنين. ولعل أكثر ما يميز تلك المنطقة، هو وجود مبانٍ حجرية على شكل مخروطي، تعرف باسم القصبات، كانت تستخدم لأغراض المراقبة في الحروب.

المتحف الألمعي

تقود أزقة قرية «رجال ألمع» الزائر صعوداً ونزولاً في جولة استثنائية من دون مركبة إلى حصن آل علوان، حيث يقع متحف البلدة، الذي يحتضن مئات القطع الأثرية الشاهدة على تاريخ المنطقة الغني. قبل عام 1985، لم يكن متحف «رجال ألمع» قد رأى النور بعد، لكن بفضل عزيمة أهل المنطقة، وحرصهم على الحفاظ على تاريخهم، أطلقوا مبادرة لحفظ تراثهم، وتبرع الكثير منهم بمقتنيات وقطع أثرية لعرضها في المتحف، ومشاركة آلاف الزوار قصتهم. فيما قامت النساء بتزيين المتحف وتلوينه من الداخل؛ ليصبح قطعة فنية أثرية، تجذب المهتمين بالفنون التراثية والتاريخية، أينما كانوا. 

  • طريق التلفريك الواصل بين قريتي «السودة» و«رجال ألمع».

فن القط العسيري

وحدهن نساء منطقة عسير، ومن بينهن نساء قرية «رجال ألمع»، يتقن فن القط العسيري (يعني الخط أو النحت)، الذي يعكس روحية المكان بألوانه وأشكاله الهندسية البدائية. فكل امرأة تتولى بنفسها تزيين جدران منزلها الداخلية، لاسيما جدران غرفة الضيوف برسومات وألوان، محولة إياها إلى جداريات ولوحات فنية، تنافس ربما بعض أهم الأعمال الفنية في العالم. لهذا أُدخل فن القط العسيري قائمة «اليونيسكو» للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.

إقرأ أيضاً:  الأهازيج الشعبية السعودية.. تراث ينتقل من جيل إلى جيل
 

طبيعة خلابة

ليست المباني والقلاع وحدها التي تأسر الزوار بجمالها، فالطبيعة المحيطة بقرية «رجال ألمع» تشكل ملاذاً ساحراً، وتصدح بألحان تعزفها الطيور بزقزقاتها المتناغمة مع هدير المياه. وحيثما اتجه الزائر، نزولاً إلى الوديان أو صعوداً إلى أعلى قمم الجبال، ترافقه رائحة النباتات العطرة التي تفوح في تلك المنطقة، لتكشف عن مروحة متنوعة من النباتات والأعشاب التي بها زهور منعشة.

ألمع بن عمرو

ترجع مصادر توثيقية كثيرة مسمى قرية «رجال ألمع» إلى الجد ألمع بن عمرو، الذي عرفت به القبيلة (رِجال ألمع) بكسر الراء، وحاضرتهم بلدة (رُجال) بضم الراء، نسبة إلى رجال بن عدي بن الصبق بن عدي.