منذ انضمامها، قبل 6 سنوات، إلى "ديور" مديرةً إبداعية لأزياء النساء، لم تتوقف ماريا غراتسيا كيوري عن مفاجأتنا في كل عرض تقدمه، فعينها الإبداعية خلاّقة في ابتكار الأفكار وتطبيقها بأكثر التقنيات والطرق الإبداعية، مستعينة بفريق عمل حرفي يُشهد له بالبراعة والتفوق. لمجموعة خريف 2022، استشرفت كيوري المستقبل، والطرق التي ستعيد بها التكنولوجيا تشكيل عالم الموضة والأزياء، وقد بدأت ملامحها بالظهور، ولمجموعة ربيع وصيف 2023 عادت إلى ابتكارات باريس القديمة، وأعادت تحديثها وتشكيلها على طريقتها. 

في مشهدية رائعة، أخذنا عرض الألبسة الجاهزة، لربيع وصيف 2023، إلى "Place de la Concorde" في القرن السادس عشر، وتحديداً إلى حديقة "التويلري" Tuileries، المصمّمة خصيصاً لكاترين دي ميديتشي Catherine de Médicis، زوجة الملك هنري الثاني، ووالدة الملوك الفرنسيين: فرانسيس الثاني وتشارلز التاسع وهنري الثالث، المرأة النبيلة الإيطالية التي وصلت إلى البلاط الفرنسي عام 1533، كونها إحدى أبرز الشخصيّات الرمزيّة للعلاقة بين النساء والسلطة. هذه الملكة أذهلت ماريا غراتسيا كيوري بفضل فطنتها السياسيّة والابتكارات التي أطلقتها، مثل: الكعب العالي، ومشد الـ"كورسيه"، ودانتيل الـ"بورانو" الفرنسي، التي تمّ تقديمها إلى المصانع الملكيّة. 

استخدمت المصممة المبدعة، لتقديم عرضها المميز القائم بين السيرة الذاتية والانعكاس، صورة لخريطة باريس، عثرت عليها في أرشيفات الدار، منذ أيام مؤسس الدار كريستيان ديور، مع وجود جادة "مونتان" في وسطها، مطبوعةً على الناحية الخلفيّة لوشاح. بالتالي، تتبعت مسارها الخاص، وجعلتها كيوري نقطة محورية في المجموعة، وطبعتها بالطريقة التي قد تطبعها بها على معطف toile de jouy المألوف، الذي قدمت حداثته الفعالة نقطةً مقابلة للأشكال التاريخية التي كانت محل تركيزٍ في العرض.

مصدر وحي الفنانة إيفا جوسبن Eva Jospin، الذي حلمت به لهذا العرض، يشبه الكهوف الباروكية السرية، التي تلجأ إليها النساء اللواتي تربطهن علاقة مميزة مع الطبيعة، وقوتها الحيوية التي تساعدهن على اجتياز الاضطرابات والثورات. ولاستكمال المشهد السينوغرافي وترجمته، استعانت كيوري بمصممي الرقصات الهولنديين: إمري ومارن أوبستال وفرقتهما لأداء الرقص التعبيري. 

وللعودة إلى جوهر التصاميم المستوحاة من تلك الحقبة التاريخية، قامت ماريا غراتسيا كيوري بتحديث مشدّ الـ"كورسيه"، من خلال منحه شكلًا شبه هندسي، يُحد إطار ناحية الصدر، سواء برباطات ظاهرة أو مخفية، فهو يُعبّر عن قامة تُعيد إلى الأذهان التنانير الواسعة التي كانت ترتديها كاترين دي ميديتشي في البلاط. وباعتبارها تقليداً متوارثاً، أُعيد تصميم المعاطف المصنوعة من قماش الرافيا، والمزينة بأنماط الطيور والأزهار، وفقاً لإبداع "ديور" (Dior)، ومهارتها المعاصرة.