على مر التاريخ، كان لارتداء اللون الأسود الكثير من الدلالات، إذ يرمز إلى القوة والتمرد والموت وغير ذلك، وهو اللون الذي قيل عنه الكثير، فوصفه كريستيان ديور بأنه "أكثر الألوان تنحيفًا"، وقال عنه إيف سان لوران إنه "يؤكد التصاميم الأساليب"، وكان اللون المفضل لدى كوكو شانيل، ونادرًا ما كان يرتدي كارل لاغرفيلد أي لونٍ آخر غير الأسود. 
 ويمكن القول بأن الصورة الظلية والدراماتيكية للون الأسود لا تفقد صيتها أبدًا، مهما كنتِ ترتدين، من ملابس العمل إلى الفساتين المكشوفة، وهو الأمر الذي عرفه مصمم الأثرياء والعائلة الملكية الإسباني كريستوبال بالنسياغا (1895-1972)، أكثر من أي شخص آخر، لذا فقد أدى تفانيه في استخدام هذا اللون من الملابس الجنائزية إلى الأزياء الراقية. 
 

 

 وللاحتفال بالذكرى الخمسين لوفاة بالنسياغا، أقيم معرض "بالنسياغا بالأسود"، الذي يضم أكثر من 100 قطعة من روائع المصمم السوداء المذهلة، بالإضافة إلى العديد من النماذج الأولية المخيطة تقريبًا باللون الأسود، أي أنه استخدم اللون الأسود أكثر من أي مصمم آخر، واستخدمه بطريقة مختلفة تمامًا. 
 
 واستوحى بالنسياغا من تراثه الإسباني، إذ يمكن رؤية أنه استوحى بعض تصميماته، من الملابس الرسمية السوداء التقليدية، مع عباءة الدانتيل والرداء والتنانير الطويلة المحبرة، لقد وجد متعة في الالتصاق بلون واحد. 
 

 

 ويستمر إرث بالنسياغا الأسود تحت قيادة ديمنا، المدير الإبداعي للعلامة التجارية منذ عام 2015، ففي حفل Met Gala العام الماضي، استغل المصمم صفات تحديد اللون الأسود من خلال جعل كيم كارداشيان ترتدي الأسود من الوجه حتى القدمين، معتمداً على شكل جسدها فقط للتعرف عليها. 
 
 واستمرت عروض أزياء الربيع هذا بتكريم اللون الأسود، مع عارضات يرتدين ملابس سوداء بأقنعة جلدية متداخلة في بورصة نيويورك ذات الإضاءة الخافتة. 
 

 

 كما قامت "دولتشي آند غابانا" و"فيرساتشي"، و"يوجي ياماموتو"، بإصدار مجموعات سوداء في أسابيع الموضة الأخيرة، إذ إن الأسود يتفوق في الأداء على أي لون آخر، ولا شيء آخر يجعل الرسومات أكثر بروزًا مثله. 
 ويشرح الكاتب والناقد جون هارفي، مؤلف قصة "الأسود"، أن إغراء الأسود هو في الواقع آلية للبقاء، مضيفاً أنه مع وجود خطوط سوداء وبيضاء، فإن اللون الأسود هو الذي يميل إلى الظهور أكثر، بينما يُنظر إلى الأبيض على أنه لون للخلفية، فعيوننا ترى اللون الأسود بقوة. 
 

 

ويتابع هارفي، قائلاً: "لطالما كانت هناك رفاهيات سوداء: خشب الأبنوس، والرخام الأسود، وفي روما القديمة، الصوف الأسود الناعم". لكن اللون الأسود، أيضًا، يدل على الفضيلة والواجب، ومنذ القرن الحادي عشر فصاعدًا كان يرتديه رجال الدين على نطاق واسع. في وقت لاحق، تبناه أفراد العائلة الملكية حيث أصبح الأسود لونًا يقول إنك جاد، تهتم العمل، وأنك قوي ورائع وعملي. 

 

 

 وهو اللون الذي يحمل ازدواجيةً كبيرة. فمن ناحية، يمثل الأسود الثروة والتميز، ومن ناحية أخرى يشير إلى التواضع والخدمة والتفاني، وكان للتمييز بين الاثنين علاقة كبيرة بالمواد، حيث كانت الأصباغ السوداء باهظة الثمن، كما كان على عامة الناس أن يكتفوا بأنفسهم بقطعة قماش قطنية سميكة شديدة التحمل، في حين أن النبلاء لديهم المخمل والساتان. 
 وبمرور الوقت، انتشر اللون الأسود إلى التجار وأصحاب الأعمال من الطبقة الوسطى، لكنه كان باهتًا وقاسياً إلى حد ما، ثم أعاد ابتكار نفسه وظل في الموضة، ويبدو أنه مناسب تمامًا للإشارة إلى التواضع في العصر الجديد. 

 

 

 وهو رمز التخويف، فمثلاً كانت الشرطة السرية لإيفان الرهيب ترتدي ملابس سوداء، وهو أيضاً رمز التمرد، حيث ترتدي الثقافات الفرعية، مثل: موسيقى الروك والأشرار والقوط الأسود للتمرد على الأعراف الاجتماعية والاحتجاج. 
 وأوضحت مصممة الأزياء الشهيرة، أليكس لونغمور، أن "الأسود لون قوي في الموضة"، ويمكن أن يكون درامياً بشكل لا يصدق، ومن الأمثلة على ذلك جنازة الملكة إليزابيث الثانية، إذ رأينا بحرًا من الأسود، لكن وجوههم كانت بارزة حقًا، لذا إن الأسود يجعلك تركز على الموضوع، بدلاً مما يدور حوله. 

 

 

 وتصف لونغمور هذا اللون بأنه سيد التناقض، محافظ ولكنه متمرد، منظم ولكنه غامض وأنيق وآمن، حيث إن تنوع اللون الأسود لا يمكن المساس به، وهو اللون الذي يتجاوز كل شيء، إذ يمكنك ارتداؤه في كل مناسبة، وليس هناك أي ضجة أو تعقيد في ذلك، ويتماشى مع كل شيء.

إقرأ أيضاً: حقائب يد بتصاميم هندسية لموسم مميز