تمثل المشكلات النفسية النسبة الكبرى من عبء الأمراض العالمي لدى اليافعين، وتقدر كلفة الأمراض النفسية بحوالي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، لذلك كان من الضروري إلقاء الضوء على المشكلات النفسية، التي قد تواجه المراهقين والشباب، كونهم نواة المجتمع ورجال المستقبل، وبهم تسمو الأمم ويعلو شأنها، لذلك كان الاحتفاء باليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يوافق العاشر من أكتوبر كل عام، بناء على مبادرة من الاتحاد العالمي للصحة النفسية لنشر الوعي العام بين أفراد المجتمع.. التقينا الدكتورة حنان ديربي، استشارية الطب النفسي للأطفال واليافعين بمستشفى الجليلة التخصصي للأطفال، التي أشارت إلى أن 50% من الأمراض النفسية تبدأ ببلوغ سن 14 عاماً، و75% منها بحلول منتصف العشرينات، مؤكدة أن تجاهل معالجة الاضطرابات النفسية لدى الطفل يؤثر في مسار حياته بالكامل، بدءاً من نموه ونتائجه التعليمية وعلاقاته الاجتماعية، وصولاً إلى حياته المهنية وصحته البدنية، كما تلفت النظر إلى أن التعرض للصدمات في فترة الطفولة والمراهقة، ينعكس بشكل كبير على الصحة العامة، التي بدورها قد تؤثر في صحة الطفل الجسدية والنفسية عند البلوغ.

 

  • الدكتورة حنان ديربي

 

وتحدد الأخصائية النفسية أكثر مشكلات الصحة النفسية انتشاراً بين الأطفال والمراهقين:

الاضطرابات العاطفية:
اضطرابات القلق (بما في ذلك الهلع، أو القلق المفرط) هي الأكثر انتشاراً بين هذه الفئة العمرية. وتشير التقديرات إلى أن 3.6% من الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 10-14 عاماً، و4.6% من الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً، يعانون اضطراب القلق، كما تؤكد الإحصاءات أن الاكتئاب يحدث بين 1.1% من المراهقين، الذين تراوح أعمارهم بين 10 و14 سنة، و2.8% بين المراهقين بعمر 15 إلى 19 عاماً.

الاضطرابات السلوكية:
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وتقدر نسبة انتشاره بين 3 إلى 10%، بالإضافة إلى اضطراب السلوك واضطراب المُعارِض المتحدِّي، وتتميز الاضطرابات السلوكية بأنماط متكررة ومستمرة من السلوك التخريبي والعنيف الذي ينطوي على انتهاك حقوق الآخرين والأعراف الاجتماعية، وقد ينتهي بسلوك إجرامي، أيضاً هناك أمراض أخرى، مثل: اضطراب طيف التوحد، واضطرابات الأكل، وإيذاء الذات.

وتوضح ديربي أكبر التحديات النفسية، التي يواجهها اليافعون اليوم، منها:
وسائل التواصل الاجتماعي
كان لظهور التكنولوجيا الرقمية تأثير كبير في حياة الأطفال واليافعين، فرغم محاسنها كطريقة للتواصل مع كل العائلة والأصدقاء عن بعد في مختلف الظروف، فإنها أثّرت على الإدراك الذاتي والخصوصية. كما تستهلك من وقت الأطفال تقريباً أكثر من ساعتين خلال أيام الأسبوع، وأكثر من ثلاث ساعات في عطلة نهاية الأسبوع.
أيضاً، غيّرت التكنولوجيا الرقمية طريقة تفاعل الأطفال واليافعين والتواصل بينهم، والتعبير عن أنفسهم، والوصول إلى شبكات الدعم، ما فرض على الآباء والمعلمين والشباب أنفسهم تحديات جديدة، في ما يتعلق بتوظيف هذه التقنيات.
كما أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي له تأثير سلبي في الصحة النفسية، ويرتبط بالقلق والاكتئاب ومشكلات النوم والمشكلات العاطفية والسلوكية، كما أفسحت المنصات الرقمية كذلك مجالاً واسعاً للتنمر وترويج معايير غير منطقية للمظهر، ما انعكس في اضطرابات الأكل المنتشرة بين المراهقين اليوم، كما أتاحت الوصول إلى محتوى غير لائق أو عنيف ليسوا مستعدين لمشاهدته.

ضغط الأقران والتنمر
من بين التحديات التي تواجه الأطفال أيضاً "ضغط الأقران"، وتعرفه ديربي قائلة: "هو التأثير الذي تمارسه مجموعة النظراء من ذات الفئة العمرية. فحينما يشعر الأطفال بأنهم مهمشون، أو أن توجهاتهم لا تتماشى مع التوجه السائد، قد تدفعهم الرغبة في الحصول على القبول إلى تعزيز العادات الإيجابية. وبالمقابل، قد تشجعهم على المشاركة في سلوكيات خطرة، مثل: تحدي سلطة الوالدين، أو كسر الأعراف الاجتماعية، أو شرب الكحول، أو تعاطي المخدرات، أو ما شابه".

التحديات المادية
نعيش، اليوم، في عالم يشجع المفاهيم المادية، ويقيس النجاح بالممتلكات بحسب ديربي، التي توضح: "يمكن أن تؤدي هذه النظرة المادية للحياة إلى عدم الرضا، وتؤثر في الصحة النفسية للطفل أو المراهق، حينما يعجز أهله عن توفير المستوى المعيشي الذي يحلم به".

 

 

القلق حيال المظهر الخارجي
وتشير الأخصائية النفسية إلى أن اليافعين يواجهون ضغوطاً متزايدة تتعلق بمظهرهم، وتبدأ بسن مبكرة نتيجة ظهور تطبيقات الوسائط الاجتماعية، مثل: "إنستغرام، وسناب شات"، حيث أصبحت مشاركة صورة مفلترة ومعدلة معياراً لمفاهيم الجمال الحديثة، ما يؤثر في علاقة الأطفال واليافعين وتصوّرهم عن أجسادهم.
وأكدت الأبحاث أن المظهر يشكل مصدر قلق بالنسبة لنحو (52%) من اليافعين، وأكد أكثر من الثلث (36%) أنهم مستعدون للقيام بأي شيء، في سبيل تحسين مظهرهم.

المستقبل المجهول
وتوضح أن عدم اليقين بشأن المستقبل يشكل مصدر قلق كبيراً بالنسبة للكثير من اليافعين، بما في ذلك التحديات العالمية، مثل: جائحة "كوفيد-19" العالمية، وتغير المناخ والفقر والركود المالي والبطالة والصراع، وعدم المساواة الاجتماعية والهجرة.

الحل لتجنب وقوع الأطفال في المشكلات النفسية
وتلفت ديربي النظر إلى ضرورة اتخاذ إجراءات وخطوات فاعلة على عدة صعد، لمواجهة التحديات النفسية التي تواجه الأطفال واليافعين، بدءاً من المنزل، من خلال إحاطتهم بالحب والرعاية والاهتمام، مروراً بالمدرسة المسؤولة عن تعزيز شعورهم بالانتماء والأمان، ووصولاً إلى الهيئات المجتمعية والحكومية التي تُعنى بتحديد الخطوط العريضة للعملية التربوية والإجراءات اللازمة لحماية الأطفال، ورعاية صحتهم النفسية.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح حول علاج الإنفلونزا.. هل هي صحيحة؟