أعلنت الأكاديمية السويدية، في شهر أكتوبر الماضي، اسم الفائز بجائزة «نوبل» للآداب، وفازت بها الأديبة الفرنسية آني إرنو، ولفت انتباهي أنه - في السنوات الأخيرة - فازت أديبات عديدات، وبالعودة إلى سجل الفائزين منذ انطلاق جائزة «نوبل» للآداب عام 1901، وحتى الآن، وجدت أنه قد فاز بها 118 أديباً وأديبة، منهم 17 امرأة فقط، منهن ثمانٍ فزن منذ بداية القرن الواحد والعشرين، أي نصفهن تقريباً فزن خلال العشرين عاماً الأخيرة فقط، في حين أن تسعاً منهن فزن على مدار مائة عام.

السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي تغير؟

هل على مدار المائة عام، لم تكن هناك نساء مبدعات يستحققن الحصول على الجائزة؟.. لو استعرضنا قائمة المبدعات؛ لوجدنا الكثيرات اللاتي كنَّ يستحققن الجائزة، لكن لم يتم اختيار غير تسع فقط، وعلاقة المرأة بجائزة «نوبل» للآداب دفعتني إلى تساؤل هو: هل تغيرت مفاهيم المجتمع ونظرته إلى المرأة؟ والسؤال الأصعب: هل المجتمعات - حتى الغربية ذات التوجه اليقيني بالحرية الفردية، ودعم المرأة في حصولها على حقوقها، وغيرها من تلك الشعارات، التي تتخذ من المرأة عنواناً - مازالت تعاني سلطة «الذكورية»؟.. من زاويتي أرى أن الإجابة (نعم)، وهذا يؤكد ما كنت أذهب إليه، دائماً، وهو أن السلطة «الذكورية» متجذرة في الضمير الجمعي للبشرية كلها، حتى في المجتمعات الليبرالية والعلمانية المتطورة حضارياً؛ لأن الإنسانية تحمل إرثاً ترسخ في ضميرها الجمعي على مدى آلاف السنين، منذ بدأت المجتمعات - بصورتها المعقدة - تظهر، وشكلت المدن والدول والحضارات القديمة. إن بروز المرأة في أي مجال إبداعي أو فكري أو فني، كان يصطدم بتراكم مفهوم التفوق «الذكوري»، والميل إلى التخفيض من قيمة أداء المرأة، ما يعكس ظاهرة ميل المجتمع إلى تقييم إبداع المرأة بنسبة سلبية أكثر من الرجال.

هنا، ندرك عمق التميز الجندري ضد المرأة في الضمير البشري، حتى في الدول المتحررة من قيود الماضوية، كالمجتمع الغربي، الذي اختار فقط تسع نساء على مدار مائة عام ليفزن بجائزة «نوبل». ومع التغير الكبير بفوز ثماني نساء، خلال العشرين سنة الماضية، وجدتني أتبنى فرضية أن هناك تغيراً يحدث في الضمير الجمعي للبشرية من ناحية التحيز الجندري، وأن هناك تغيراً يحدث في السلطة «الذكورية» المسيطرة على الجنس البشري، وهذا مؤشر إلى تحول أكثر رسوخاً وسرعة مما كان عليه خلال السنوات الماضية، ويعطي مؤشراً إلى أن قيم المساواة العادلة بين الرجل والمرأة تتغير، وتتجه إلى ما هو مفترض أن تكون عليه، وبدأت هزيمة اليقين الزائف بالتفوق الجندري الذكوري، الذي استمر وتراكم خلال السنين عبر الحضارات المختلفة للبشرية.. فهل، فعلياً، وصلنا إلى النقطة الفاصلة في تحقيق المساواة العادلة بين الجنسين؟