منذ عمق سحيق، وأنت تراقب تحولاتك كحجر كريم، كنتَ تظنُّ أنك ثابتٌ في المياه، تندلع الحروب في الأصقاع البعيدة، وتثور البراكين، وتفيض القارات بالحيتان والفيلة وتعاويذ اليابسة، ومن جذر أوتادك يهيج ثور العالم، يحرك أحد قرنيه فينجرف الكثير من الجلامد والغابات والعظام؛ لتنزلق في الأبعاد النائية، والقيعان النارية. 

وحدك.. ولدهر كامل، كنتَ لا تتوقف عن الظنون بأنك من نَسْلِ صخرة «سيزيف»، تتدحرج في محورك الثابت إلى الأبد، غير أنك شهدتَ - ببطءٍ - موت الحضارات. شيء بداخلك ينبض بالهدأة، يشع بالنور والسلام، وينمو كنطفة من مياه صوفية، ثمة وعد بالرحيل، ونبوءة الطفو والشتات تولد على سطحك، شيء يهدد كياني الثابت. 

هكذا تبدو في مرحلتك هذه، تنتبه إلى كونك ما عدتَ نصّاً كاملاً على الأرض، أو نقشاً درامياً صخرياً لكينونة ضائعة، وإنما فيض من الأمواه الدائمة الجريان والنور، لقد تركتَ اليابسة وراءك، تركتَ التعصّب وغرورك، وسبحتَ مع الفقراء في الحقول والتيار المُرحِبِ بالحصاد، سبحتَ في كينونة كريمة من الذرات الملهمة، أنت حجر كريم اختار أن يتشظى أخيراً، ويمضي حُرّاً بين الماء والريح والشمس والجذوع، لا تهمه سيرة التآكل والتحجّر والحدود، مساماتك تعانق شوقاً قديماً يتجدد ويتعزز صلةً بالأرض والدروب والإشارات، كنتَ حياة كاملة قرب منبع مياه، وعلى قمة جبل، وأعلى التل، وفي فم المنحدرات، وفي فصل الكبريت، وفي أي مكان ممتلئ باتصال المواسم والأكوان والأفلاك والأحجار الكريمة، وصرتَ معنى كاملاً في تلميحة، ومجازاً مُجسّداً في أيدي الطبيعة. 

أنت لغزٌ ساحرٌ بصمتك العميق وإصغائك، لغز صامت لروح شمولية تسكن الأحجار، ومع الزمن دُهِشتُ بكينونتك المتحولة إلى حجاب كثيف من المطر والزمن ولغة المنامات والشرود، أنا ملك والأبواب الوعرة والقناطر والطواحين وأكتاف النجوم، هذه الأقواس أنت، خرجتَ من ضلع المياه، وارتويتَ من المخاطر، لا مقدرة لك على احتمال الخط المستقيم، تتحول بين العناصر، وتحتوي الأرض، وترفض الحواجز، وبدأت تعرف أن العناصر إلى زوال وانتقال واتحاد.

إنه أول عيدٍ للتحوُّل.. شيء ما في أعماقك يحِنُّ إلى الرجوع نحو حياة الموجة، تتلقفك المغارات والعتبات والسطوح البائدة..