أثناء فترة استراحتهم، يجتمع عمال نظافة أتراك في مصنع مهجور، يتناولون طعامهم، ويتحدثون، وقد يستلقي بعضهم؛ لأخذ قسط من الراحة، فيما يُخرج بعضهم ما وجدوه من كتب ملقاة في القمامة، ويشرعون في قراءتها بشغف.

يقترح أحدهم، أو ربما مجموعة منهم، أن تُؤسس في المكان ذاته مكتبة، تضم كل ما يحصلون عليه من كتب تخلى عنها أصحابها، وتركوها لمصيرها المجهول في القمامة. يتحمس الجميع لهذا المقترح، وخلال سبعة أشهر تكدس على أرفف خشبية، عُلقت على جدران هذا المصنع المهجور، ما يقارب الـ4750 كتاباً!

ورغم أن المكتبة أقيمت في البداية لاستخدام عمال النظافة وعائلاتهم، فإنها سرعان ما استقطبت عموم الناس من محبي القراءة، أو حتى البعض ممن شعروا بالفضول لرؤية المكتبة، بعد أن ذاع صيتها في الأنحاء.

ويؤكد القائمون، الآن، على المكتبة من عمال النظافة، أن فكرتهم قد بعثت الحياة من جديد في كتب كان مصيرها الرمي والإهمال، وكان أجمل ما تحقق من ذلك أن البعض، وبعد أن علموا بهذه المكتبة، باتوا يتبرعون لها بالكتب، أو يضعونها في أكياس بلاستيكية؛ عوضاً عن وضعها في أكياس القمامة مباشرة؛ ليسهل على عمال النظافة جمعها، وإيداعها رفوف المكتبة.

كثيراً ما توقفت في مدن عدة بالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، أمام منظر المشردين الـ(Homeless)، وهم جالسون في الحدائق، أو زوايا الأرصفة، مندمجين في قراءة كتاب وجدوه - غالباً - في أحد مكبات القمامة، ورغم أن تأمين الطعام والشراب هو الهدف الرئيسي، الذي يعيش هؤلاء من أجله، فإن في داخل كل شخص منهم حباً وشغفاً بالمطالعة والقراءة، يحثانه على البحث عن الكتب، كما يبحث عن لقمة الزاد! في المقابل، هناك من نقابلهم في حياتنا، وقد حصل كل واحد منهم على شهادة علمية مرموقة، لكنه يعتبر القراءة قيداً يرغب في التخلص منه؛ فيظل يُرغم نفسه على قراءة كتب لا يستسيغها، فقط من أجل نيل درجته العلمية، وبمجرد أن ينالها، سرعان ما يتحرر من ثقل القراءة، أو يبقى يكدس كتباً على رفوف لا تعدو أن تكون جزءاً من ديكورات مكتبه!.. حقاً، القراءة شغف لا يملكه الجميع.