تشكّل السينما، ولاتزال، المنصة البصرية الأهم في التعبير عن وجع الحرب، وتداعياتها، من فقر وجوع ونزوح، ومشاكل لا تحصى، تعكس المأساة والوضع التراجيدي الذي يعانيه الشعب السوري، لاسيما مشكلة النزوح التي سببتها الحرب، وبراميل الموت التي كانت تتساقط على المدن والبيوت. وقد استطاع فيلم «نزوح» - من خلال رؤيته الإخراجية، وأداء الممثلين - التعبير عن وجع التغريبة السورية، التي أدت إلى انتشار هذا الشعب في قارات الأرض.. فما بالنا لو كانت قصة الفيلم عن النزوح الداخلي، كيف سيكون شكل المعاناة؟!

بقي صدى عبارة «معتز» (سامر المصري) يرن في الذاكرة: «أنا ابن الشام.. كيف أتركها؟!». هذه العبارة المفتاحية، التي حملت الكثير من أسباب التمسك بالأرض والوطن، ورفض فكرة النزوح، من خلال رصد صور المعاناة والقهر، التي نجحت المخرجة سؤدد كعدان في رصدها هي وفريق العمل، لاسيما الممثل سامر المصري، والممثلة كندة علوش. والفيلم من إنتاج سوري فرنسي بريطاني مشترك، وحاز جائزتين خلال حفل ختام النسخة الـ79 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عام 2022.

وما بين خيمة يصنعها الطفل، ليلعب في حديقة بيته، أو أثناء رحلته وأسرته إلى الشاطئ، تظهر خيمة النزوح، بشكل تراجيدي، يشير إلى الحرب، وتفاصيل الواقع، من هدم وركام، بعد الثورة السورية، والصراع الذي شهدته مدن سوريا.

وفعل النزوح يعني ضمناً الاقتلاع، والبحث عن النجاة، وهو ما يعكسه الحوار بين أبطال الفيلم، بلهجة شامية تعيدنا إلى رائحة الأرض والمكان، ومعنى البيت، وقيم الأسرة، التي باتت مهددة وفي أدراج الريح. صور متتابعة، في العراء، في المدن، لا ماء، ولا كهرباء، صور تضعنا أمام مقطع بسيط من معاناة السوريين، بدءاً من عام 2011، وحتى اللحظة.

 

 

صورة المرأة والرجل

المرأة والرجل.. هكذا وقفت كندة علوش إلى جانب سامر المصري، في الفيلم، وعلى منصة العرض في فينيسيا، وقد اختلطت دموع النجاح بدموع الحسرة على وطنهما، وهكذا تبادلا الأدوار في الفيلم، الرجل والسلطة والمركزية، المرأة وما غيرته فيها الحروب; لتكون في مركز اتخاذ القرار. وهنا، برز دور الابنة التي تحاول الخروج عن سيطرة الأب، وتؤثر على أمها في اتخاذ القرار، قرار الابتعاد والهجرة من الشام، كأنهما اختارتا الثورة على كل شيء، في ظل أوضاع تضيق فيها الخيارات، ويصبح الجميع بين خيارين: الحياة أو الموت، ليختاروا النجاة من المأساة، أو لنقل من الموت، فهذه الأسر المحافظة تعكس أحوال المجتمع، والتغيرات التي بدأت تنخر في كل شيء.

في زمن التحولات، تتعرض الحياة لشروخ، وهل هناك ما هو أصعب من أن نغادر مدننا تحت وطأة حرب ظالمة، وربيع أثمر فنوناً، وغير الصورة، فكانت السينما خير من يقرأ ويوثق المشهد، إلى جانب الأدب والفكر، والصورة التي شكلت شاهداً حقيقياً على التغريبة السورية.

 

 

ظلال النزوح

في ظل النجاح، استطاع الفيلم أن يحمل الرسائل إلى الجمهور الغربي والعربي معاً، ما جعله يحظى بجائزة الجمهور في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي هذا عام 2022. وبين الواقع والتخييل، استطاعت المخرجة، سؤدد كعدان، أن تقرأ بالصورة والأداء التمثيلي هذا المشهد المعتم، وأن توظف عناصر الإضاءة الطبيعية والظلال في مواقع المباني المدمرة، التي لا تحمل أي قيم جمالية، واستطاعت أن تأخذنا إلى شعرية تراجيديا الواقع، من خلال بعض اللقطات، مثل: مشهد نزول الزوجة والابنة إلى النفق، وخروجهما منه. 

واستطاعت، أيضاً، توظيف التضاد بين الظلام، والليل والعتمة والحرمان من الكهرباء، وبين الشمس التي ترينا الوجع في عيون الأطفال والكبار معاً، من خلال سيناريو تتخلله لغة الشارع اليومية، ما منحه مصداقية، إلى جانب الموسيقى التي تخللت ظلال النزوح; ليشكل الفيلم وثيقة حقيقية للواقع، الذي يعيشه السوريون.

إقرأ أيضاً: هيا مرعشلي تكشف سبب ابتعادها عن التمثيل