منتمية إلى أرض تتبنى القيم الإنسانية، وتعزز مكانة المرأة وتمكينها، عكفت الشاعرة والكاتبة، عبير البريكي، على محراب الشعر؛ لتجعل من القصيدة هوية وجدانية معطرة باستعارات الوجود الجمالي، الذي يراقص الرمز لغة تفيض من عباراتها واقعاً مسحوراً، لا ينتمي إلى الرتابة، ويستشرف مواقع نجوم المجاز في دلالات تهيئ ما هو كوني لعرس تحتفل فيه القوافي بولادات المعنى.. «زهرة الخليج» حاورتها حول تجربتها الشعرية الاستثنائية:

• إذا قلنا إن الشعر موقف وجودي؛ فكيف كان توظيفك له من خلاله الانحياز إلى كل ما هو إنساني؟

- الشعر توليفة عجيبة من فكر وتجربة ومكتبة، والجميل فيه تعدديته التي لا تحصى، وبصماته التي لا تتكرر؛ فلكل شاعر بصمة شعرية خاصة، وتركيبة عطرية أعدتها الظروف المتباينة؛ فخلقت هذه التعددية الجميلة - المنعكسة من خلال قصائد عدة - كل قصيدة هي انصهار فكر وعاطفة وتجربة وثقافة، لشخص قدر له أن يكون شاعراً. لذلك، تستدعيني المواقف والأحداث الواقعية في حياة الناس؛ فتلامس روح الشاعرة قبل قلمها، ومن ثم تنسكب قصيدة تحاكي الحدث، بعد أن يمرر على الروح والفكر؛ فأصوغه بلغتي وكيفيتي وكما أراه، والشعراء تختلف نظرتهم للأمور عن غيرهم، ليس لأفضليتهم عمن سواهم، بل لقدرتهم على التعبير والبوح بما يشعرون، كأنهم لسان حال المجتمع، ومرآته التي ينعكس من خلالها. من هنا، كانت القصائد الوجدانية أكثر تأثيراً في وجدان الناس؛ لذلك أجدني فيها.

• من أي الينابيع تمتح وتنبع تجربتك الشعرية؟

- كما قلت، من قبل، الشاعر خلاصة تجربة وموهبة ومكتبة، وكل شاعر هو معادلة صاغتها ظروفه الخاصة. لكن اللغة الشعرية كأي لغة تحتاج لتغذية راجعة. لذلك، بدأت بحفظ الشعر والتعلق به والتعمق في معانيه، وتأمل قوافيه وأوزانه، حفظت كثيراً، وغنيت كثيراً؛ حتى وجدتني أنظم شعراً، وهذه بداية كلاسيكية لكل الشعراء عبر التاريخ، كما أن حفظ أجزاء من القرآن الكريم كان له أثره العظيم في تغذيتي الشعرية؛ إذ إن لغة القرآن المعجزة وصوره البيانية وقصصه العظيمة، أكبر إلهام يمكن أن يحظى به صاحب كل قلم شعري أو نثري. ولعل من أهم أسباب الإلهام الشعري قراءة الرواية! ففي الروايات عوالم من الواقع والخيال والأفكار، التي تغذي تجارب الشعراء. هذا من ناحية اللغة، أما من ناحية الدوافع الشعرية؛ فكل ما يعيشه الشاعر يتفاعل معه وبه، وينعكس في وجدانه بطريقة أو بأخرى، لكنه يكتب شيئاً منها على هيئة قصائد، ويحتفظ بأكثرها في وجدانه.. وكذلك أنا!

• ما اللحظات الأثيرة لديك؛ لكتابة نصوصك؟

- أنا أعشق المطر والسفر والهدوء؛ لذا عادة أكتب في حالة سفر. العزلة ترتب أفكاري، وتستدعي مشاعري، وتلهمني، أحتاج أن أسمع صوت روحي، وحديث قلبي؛ لأنقله عبر القصائد؛ فلكل شاعر طقوسه الخاصة، التي تختلف من شاعر إلى آخر، كما أن موسيقى الشعر يستدعيها الهدوء، ويسرقها الصخب.

إقرأ أيضاً:  كيف تؤثر العزلة على قلبك ودماغك وطول عمرك؟
 

• كيف تتعاملين مع التراث، وكيف تتناولينه من خلال منجزك الأدبي؟

- التراث أصالة وارتباط بالتاريخ وجذوره البعيدة، وينعكس في قصائد الشعراء، من خلال لغتهم التي هي بحد ذاتها وعاء الثقافة، فالكلمات جزء من التراث، والأعراف والعادات التي تتحدث عنها قصائدهم هي أيضاً تراث، كما أن أسماء الأماكن والأشخاص والأحداث - التي تختزلها القصائد - نوع من التأريخ الأنيق للتراث.