اللؤلؤ.. زينة وتراث

عندما نذكر كلمة لؤلؤ طبيعي؛ فنحن نتحدث عن الجمال والثراء والأناقة، فاللؤلؤ له عشاقه في كل الدنيا، وله في خليجنا العربي قصص غنية بالتفاصيل والمفردات التراثية الأصيلة الساحرة، المليئة بالتشويق والإثارة. وتظهر الأدلة الأثرية أن سكان المنطقة اكتشفوا اللؤلؤ قبل حوالي سبعة آلاف عام، ويعتبر على مر التاريخ

عندما نذكر كلمة لؤلؤ طبيعي؛ فنحن نتحدث عن الجمال والثراء والأناقة، فاللؤلؤ له عشاقه في كل الدنيا، وله في خليجنا العربي قصص غنية بالتفاصيل والمفردات التراثية الأصيلة الساحرة، المليئة بالتشويق والإثارة. وتظهر الأدلة الأثرية أن سكان المنطقة اكتشفوا اللؤلؤ قبل حوالي سبعة آلاف عام، ويعتبر على مر التاريخ من أجمل الحلي وأرقاها.ولم يكن الأجداد، كما نحن اليوم، يخرجون للغوص في البحر على سبيل المتعة، وإنما من أجل جلب الرزق، وكانت رحلاتهم التي تمتد إلى أكثر من أربعة أشهر مليئة بالكثير من الألم والبهجة، ألم تجاوز التحديات التي يواجهونها، وبهجة الحصول على أصداف تحتوي اللؤلؤ.. بين الماضي والحاضر، تصحبكم «زهرة الخليج» في هذا التحقيق مع الباحثين في التراث: جمعة بن ثالث الحميري، ومصطفى الفردان؛ لنتعرف أكثر إلى قصة عالم اللؤلؤ، وما يكتنفه من غموض ساحر.

علاقة الأجداد بالبحر قديمة قِدَم التاريخ، وقد عكست هذه العلاقة كثيراً من صور الكفاح والصمود، يقول عنها الباحث في التراث البحري الإماراتي جمعة بن ثالث الحميري: «بدأت الغوص لاستخراج اللؤلؤ منذ عام 2000؛ فالغوص بالنسبة لي إرث عائلي، فعائلتي كلها كانت تعمل بالغوص، الجد والأب، وقد تعلمت على يدَيْ أبي الطريقة القديمة للغوص، لاسيما وقد كان الأجداد يواجهون الكثير من التحديات والمصاعب، أما الطريقة الحديثة فقد تعلمتها في معهد متخصص مؤخراً».

رحلة الغوص

رحلة الغوص القديمة كانت تتم على متن سفينة مجهزة بالغواصين، والسيب، والنوخذة (قائد السفينة)، وأدوات الغوص، والحبال، وغيرهم، بحسب الحميري، الذي أوضح قائلاً: البرنامج اليومي هو أن يغوص الغواص، والسيب يسحبه عند أول إشارة من الغواص، بعد أن يكون قد جمع أكبر عدد من المحار. والمحار المجموع يُنشر على سطح السفينة، ويترك ليومين أو ثلاثة، بعدها يبدأ فتحه والتقاط ما به من لؤلؤ إن وجد، مشيراً إلى أن سبب الانتظار ليومين أو ثلاثة؛ هو أن المحار يكون مغلقاً، وإذا تم فتحه فوراً فسينزل اللؤلؤ مع الماء ويضيع؛ لذا يتم الانتظار حتى يجف المحار، ومن ثم يفتح بسهولة.

ويضيف: يوجد على سطح كل سفينة أطفال صغار، يطلق عليهم «الجلاليس»، مهمتهم فلق المحار، وجمع اللؤلؤ تحت إشراف النوخذة، وتستغرق رحلة الغوص أربعة أشهر وعشرة أيام، خلال أشهر الصيف (القيظ): يونيو، ويوليو، وأغسطس، وسبتمبر، وعشرة أيام من أكتوبر، وهذا يسمى الغوص الكبير، ومؤنة الأكل تتكون من لحوم وأسماك وأرز ومياه، وغيرها مما يحتاج إليه البحارة والغواصون طوال الرحلة، وتمدهم به سفن مهمتها بيع المؤن والبضائع، وهي سفن تأتي من دبي، ولا تنقطع عن الإبحار، وتراوح فترات مجيئها بين 10 أيام و15 يوماً.

موقع المحار

ينظر الحميري، بسعادة، إلى الصور القديمة، التي قد زين بها مجلسه، الذي يعتبر متحفاً جمع فيه الكثير من حبات اللؤلؤ بكل أنواعه، ويستقبل فيه الجميع بترحاب وكرم؛ ليشرح ويوضح لمن يرغب في أن يعيش قصة من قصص الغوص بحثاً عن اللؤلؤ قديماً، وهدفه من ذلك الحفاظ على الهوية الإماراتية، ويقول: كانت الرحلات تضم ما بين 300 و400 سفينة، من جميع الإمارات، وهناك «السردال» القائد البحري أو أمير الحملة أو مراكب الغوص، والذي يقود «السنيار» (أسطول السفن) إلى مغاصات اللؤلؤ، وهو أكفأ النواخذة وأقدمهم وأكثرهم خبرة، وعندما تصل السفن إلى وسط البحر يرمي هذا القائد القطعة المكونة من الرصاص إلى البحر، وعندما تصل إلى القاع تعطي عندها إشارات وعلامات وقراءات للقاع، ويأمر اثنين من الغواصين باكتشاف الموقع؛ فإذا حصلا على محار، فيرمي النواخذة مرساة السفينة، ويبدأ الغواصون عملهم. أما إذا نزلت هذه القطعة في رمال، فيأمر «السردال» بالانتقال إلى موقع آخر.

تحديات الرحلة

بعد المعاناة، والألم الذي يواجهه الغواصون، يحصدون الفرحة مع الحصول على اللؤلؤ، وفي ذلك يوضح الحميري: خلال رحلة الغوص قديماً، كانت تواجه البحارة والغواصين تحديات كثيرة أصعبها الأمراض، مثل: ألم اليدين، وتقرحات الوجه والعينين، ونزلات البرد، لكن التعب والمشقة يزولان بفرحة الحصول على اللؤلؤ، بعد انتهاء الرحلة. وحول إصابات الغواصين، وهو ما يطلق عليه البعض «مس الضر»، يقول الحميري: عندما كان الغواص يصاب بنقص الأكسجين في الدم، يخرج من الماء وقد انقطعت أنفاسه ويصاب بالإغماء، وبعض الغواصين كانوا يعتقدون أنهم يرون جنية أو امرأة أو كلباً، لكن التفسير العلمي يذهب إلى أن نقص الأكسجين يجعلهم يتوهمون وجود أشياء غير موجودة. ويكمل: عندما كان يخرج الغواص بهذه الحالة، كان قارئ السفينة يقرأ عليه القرآن، وإذا طالت فترة المرض يلجؤون إلى الكيّ، فإذا لم يكن هناك أمل في علاجه، تتم إعادته إلى المدينة في سفن بيع المؤن. 

أنواع اللؤلؤ

الباحث المتخصص في عالم اللؤلؤ، مصطفى الفردان، يشير إلى أن هناك نوعين رئيسيين من اللؤلؤ الطبيعي: الأول: من الأصداف ذات المصراعين كالموجود في الخليج، وهو الأجود والأثمن، إذ يستخدم في المجوهرات وقطع الزينة النادرة والقطع المتحفية، وهو السائد من حيث السعر الأغلى. والثاني: الخزفي المستخرج من القواقع البحرية على اختلاف أنواعها، وهو يخرج بألوان وأشكال مختلفة، فمنه: الأبيض، والأصفر، والأحمر، والأخضر، وهو أقل سعراً، ويسمى بالإنجليزية «نن نيكر». أما لؤلؤ الأصداف ذات المصراعين، فيطلقون عليه «نيكر». وعن الفرق بين اللؤلؤ الطبيعي والزراعي، يشير الفردان إلى أن اللآلئ البحرية الطبيعية، تتميز بالقوة والصلابة والقدرة على المقاومة والعيش فترات طويلة من الزمن، وأسعارها خيالية جداً، ونادرة الوجود. أما لؤلؤ المزارع، فهناك كميات كبيرة موجودة منه، وله أشكال كثيرة، وأسعاره أقل، ولا يمكن أن يقارن باللؤلؤ الطبيعي، الذي يمثل اليوم استثماراً بعيد المدى. ويلفت الفردان إلى أن لؤلؤ الأصداف حجمه أقل من اللآلئ الخزفية، التي يتم استخراجها من القواقع، وهذه الأخيرة وزنها يبلغ كيلوغرامات عدة، في حين لؤلؤ الأصداف يوزن بالغرامات 5 أو 10 غرامات، وأسعاره خيالية، ويباع في المزادات العالمية، ويستثمر فيه على المدى البعيد. ويوضح: هذا اللؤلؤ الصدفي أو ذو المصراعين، يتم استخراجه في الخليج، وهو الأفضل والأجود والأندر على مستوى العالم، ويستخدم في المجوهرات. أما اللآلئ الخزفية، التي يتم استخراجها من القواقع، فتستخرج من البحار المفتوحة حول أستراليا وإندونيسيا.

بيع اللؤلؤ

يؤكد جمعة بن ثالث الحميري صعوبة معرفة المحار الذي يحتوي على اللؤلؤ، فيقول: قد لا توجد لؤلؤة واحدة في ألف محارة، ويمكن أن توجد في عشر محارات عشر لآلئ، الأمر «قسمة ونصيب»، المهم أنه بعد جمع اللؤلؤ يأخذ النواخذة الحصيلة لبيعها للطواش (التاجر)، الذي كان يمر على السفن بعد بدء الرحلة بشهر؛ ليشتري حصيلة ما تم جمعه، وهناك طواش آخر يكون موجوداً في البلد يبيعه النواخذة حصيلتهم عقب انتهاء الرحلة، وغالباً يكون أمر البيع سرياً بين النواخذة والطواش، بعيداً عن أعين البحارة والغواصين، الذين هم بالأساس أجراء يحصلون على أجورهم عن الرحلة كاملة.

إقرأ أيضاً:  نوره الهاشمي: الطبيعة مصدر إلهامي
 

حافظي على لؤلؤتك

يقول مصطفى الفردان إن اللؤلؤ الطبيعي يتأثر بدرجة الحرارة، ونسبة الرطوبة، والمواد الكيميائية؛ لذا ينصح النساء - في حال ارتدائهن مجوهرات من اللؤلؤ الطبيعي - بألا يكثرن من العطر أو الكريمات أو مساحيق التجميل التي تدخل فيها مواد كيميائية؛ كون اللؤلؤ أحجاراً طبيعية تمتص المواد الكيميائية، الأمر الذي يصيبها بتشققات أو تكسرات داخلية، ما يؤثر في القشرة الخارجية. مشيراً إلى أنه، في السنوات الأخيرة، استطاع اللؤلؤ الزراعي مضاهاة اللؤلؤ الطبيعي، وباتت هناك صعوبة في التفريق بينهما، لذا يجب على من يريدون شراء اللؤلؤ الطبيعي اللجوء إلى المختبرات العالمية القادرة على فحص اللؤلؤ، وكشف ما إذا كان طبيعياً أو زراعياً.