قلوب الأطفال

سعادتُنا الحقيقية - نحن الكبار - تكون حينما نضحك من القلب. أما هم، الأطفال حديثو الولادة، فسعادتنا بهم تبدأ منذ أن يطلقوا صرخة الحياة الأولى سالمين معافين، وتعزف قلوبهم أولى النوتات. لكن القلب، وكما تعلمون، قد يغدر أحياناً الكبير والصغير، فيتألم الكبار لجرحٍ نفسي به، ويمرض الصغار لعيبٍ وتشوه يتكوّن

سعادتُنا الحقيقية - نحن الكبار - تكون حينما نضحك من القلب. أما هم، الأطفال حديثو الولادة، فسعادتنا بهم تبدأ منذ أن يطلقوا صرخة الحياة الأولى سالمين معافين، وتعزف قلوبهم أولى النوتات. لكن القلب، وكما تعلمون، قد يغدر أحياناً الكبير والصغير، فيتألم الكبار لجرحٍ نفسي به، ويمرض الصغار لعيبٍ وتشوه يتكوّن فيه. والسؤال: ماذا عن عيوب القلب منذ الولادة؟ هل هي نفسها أمراض القلب التي تظهر عند الكبار؟.. هنا، نحاول معرفة كل شيء عن عيوب القلب عند الأطفال؛ لأن اكتشافها مبكراً قد يؤسس لكل الفرق.

عباس (8 سنوات) يتصدى، بشدّة، لقلبه المنهك. بدأت رحلته مع أمراض شرايين القلب التاجية منذ أن كان عمره ستة أيام، لحظة تمّ تشخيص إصابته بعيب قلبي نادر. تحمّل الطفل الصغير الكثير، واجه بشجاعة، واستمرّ قوياً رغم خضوعه - في سنين عمره القليلة - لخمس عمليات جراحية في القلب. شهد (4 سنوات)، إبراهيم (6 سنوات)، أحمد (سنتان)، هند (3 سنوات) وآخرون.. أطفالٌ هذا قدرهم؟ صحيح. لكن، هنا دائماً وسائل توضع في درب الإنسان، تساعده على استعادة زمام المسائل التي قد تُعدّ في وقتِها قاسيّة، نهائية. 

لون الطفل

أخصائي أمراض القلب عند الأطفال، الدكتور فادي بيطار، الذي أنشأ مركز قلب الأطفال في المركز الطبي بالجامعة الأميركية في بيروت، يحدد أمراض القلب الخلقية «سبباً رئيسياً لوفيات الأطفال في عامهم الأول»، ويقول: «هناك أكثر من 35 مشكلة مختلفة قد تصيب قلوب الأطفال، بينها: ثقب في القلب، وضيق في الصمام، أو قد يولد الطفل بنصف قلب. والمشاكل قد تكون بسيطة أو معقدة، بأعراض أو دونها، خطيرة أو غير ذلك، وقد تتسبب - إذا أُهْمِلَتْ - في تكلس الرئة. وقد تظهر أعراض الإصابة على شكل ازرقاق وصعوبة في إنهاء قنينة الحليب، أو نقص في النمو، أو التهابات متكررة. ويُصار، عادة، إلى التأكد من سلامة القلب؛ إثر الولادة من خلال الكشف على لون الطفل، فإذا كان يميل إلى الأزرق، ولم تتحسن حاله؛ بعد حصوله على الأوكسجين؛ فهذا إنذار بوجود عيب ما في القلب. دقات القلب إشارة، أيضاً، ومثلها وجود صفير في القلب». 

  • شون وايت

هل هناك أسباب واضحة لولادة أطفال بعيوب خلقية في القلب؟

يقول الدكتور بيطار: «إن أكثر من 90% من أسباب تشوهات القلب غير معروفة، ويردّ نحو 50% من نسبة العشرة في المئة الأخيرة إلى وجود عيوب في الكروموزوم، وهناك من يردّ أيضاً النسبة المتبقية إلى إصابة الأم في أشهر الحمل الأولى بفيروس الحصبة الألمانية، أو بسبب وجود زواج أقارب، أو إصابة الحامل بالسكري، أو نتيجة زيادة إفرازات الغدة الدرقية لديها. وتدلّ الدراسات على أنه في حال كان الأب والأم يعانيان مرضاً خلقياً في القلب؛ فإن احتمال ولادة طفل مصاب ترتفع بنسبة تزيد على 13%». 

لا تصابوا بالهلع.. فالنسبة الأعلى من عيوب القلب تكون بسيطة، ويُشفى منها الطفل، ويعيش حياة هانئة، بينها الثقب بين البطينين. وأكثر من 50% من حالات وجود ثقب خلقي بسيط في القلب تعود وتلتئم تلقائياً، قبل أن يبلغ الطفل عامه العاشر. وهذا النوع من الثقوب لا يتطور غالباً سلباً؛ حتى لو استمرّ مفتوحاً طوال العمر. لكن، في حال كان الثقب كبيراً، يكبر الخطر أيضاً، وتظهر الأعراض بدءاً من الأسبوع الرابع، على شكل صعوبة في التنفس، وازدياد في النبضات، وصعوبة الرضاعة، مع تصبب عرق غزير في أجواء معتدلة تماماً، وبطء في النمو، والتهابات متكررة بالرئة. وقد تستلزم مثل هذه الحالة إجراء قسطرة للقلب، تليها جراحة رتق الثقب أو الثقوب. 

ثقب وضيق وتضخم

في المقابل، الحالات المعقدة التي تظهر فيها تشوهات كبيرة بالقلب قليلة جداً، ومادمنا نتحدث عن حالات أمراض القلب، لا بُدّ أن يكون بعضكم قد سمع بمرض «رباعية فالوت»، والمقصود به اجتماع أربعة تشوهات في بنية القلب معاً، هي: ضيق شديد في مخرج جريان الدم من البطين الأيمن عبر منطقة الصمام الرئوي ومنه إلى الرئتين. وثقب ثانٍ في الجدار العضلي، بين البطينين، ووجود تضخم في البطين الأيمن، واعوجاج في المخرج الطبيعي للشريان الأورطي الصاعد في الدم الخارج من القلب إلى بقية أنحاء الجسم. وإذا تزامنت تلك التشوهات الأربعة؛ تكون الحالة خطيرة. يا الله، أتتصورون وجود أربعة تشوهات خلقية في قلب طفل عمره ساعات؟.. مثل هذه الحالات معقدة جداً، لكن تذكروا، دائماً، أنها تقل عن 10% من مجموع الحالات. وفي مثل تلك الحالات يتدخل الطبيب جراحياً، وغالباً قد يحتاج الطفل في الحالات المعقدة إلى أربع أو خمس عمليات، يخضع لها قبل بلوغه الخامسة من العمر. 

نسب.. وأرقام

يولد 1,2% من الأطفال في العالم بتشوّه خلقي بالقلب خفيفاً أو شديداً. وهناك طفل واحد من بين كل 100 مولود جديد في دولة الإمارات العربية المتحدة يولد مصاباً بأمراض القلب الخلقية، استناداً إلى أرقام جمعية الإمارات لأمراض القلب الخلقية. أما نسبة الانتشار في المملكة العربية السعودية، فتراوح بين طفلين وعشرة أطفال لكل 1000 مولود جديد. وهذه النسبة تتشابه مع حال الولادات من هذا النوع، وعددها في لبنان والأردن ومصر. 

قبل أن نختم.. نصيحة من الطبيب إلى كل امرأة حامل: «يجب عليك إجراء ثلاث صور للموجات فوق الصوتية للقلب (ultra sound) في أشهر الحمل التسعة؛ لأن الطبيب يتمكن - من خلال تلك الصور - من اكتشاف كل تفاصيل الجنين، في مختلف مراحل الحمل، وقد يتدخل في الحالات البسيطة، حينما يكون الجنين لايزال في أحشاء والدته. أما في الحالات الدقيقة، فيمكن تحديدها قبل الولادة، والاستعداد جيداً لها، ووضع خطة كاملة حولها؛ فالتشخيص قبل الولادة متاح وضروري». 

وسيتمكن الطفل، الذي يولد بتشوه خلقي في القلب - إذا عولج بشكلٍ جيّد - من أن يكبر بصحة جيدة، وسيعيش بشكلٍ طبيعي، ويتعلم، ويتزوج؛ فلا تتأخروا في اكتشاف المشكلة.

إقرأ أيضاً:  خط طفلك السيئ يشير إلى إصابته بهذا الاضطراب
 

مشاهير يجعلونه  سراً

ماذا عن المشاهير الذين ولدوا بعيوب في القلب؟

الأميركي شون وايت، أشهر الرياضيين في التزلج على الجليد، ونال عدداً كبيراً من الميداليات الذهبية، ولد بتشوه في القلب، وشُخصت حالته بـ«رباعية فالوت». أي أنه عانى - منذ ولد - أربعة تشوهات في قلبه، وها هو رياضي من الدرجة الأولى. 

المغني بريت مايكلز عانى، أيضاً، منذ طفولته عيباً في القلب. والأميركي تيدي بروشي، لاعب كرة القدم، لديه نفس الحالة. في المقابل، عاني كل من توانكو كانكو، ولورين هوليداي (الحائزان ميداليات ذهبية في كرة القدم) عيوباً في الحاجز الأورطي. وكل هؤلاء أكدوا من خلال تطورهم الجسدي - كما الاجتماعي - أن الإنسان يمكنه أن يعيش حياة طبيعية مع عيوب خلقية في القلب.

وهناك مئات المشاهير، الذين نحبهم، ونتابعهم، ونعشق أداءهم، ولا نعرف أنهم كانوا في عداد من ولدوا بعيوب خلقية بالقلب. فكثيرون يحبذون إخفاء حالاتهم تلك، خاصة في عالمنا العربي؛ خوفاً من أن تتسبب لهم بمشاكل مهنية. ويفضل النجوم الاحتفاظ بهذا الموضوع بالذات لأنفسهم؛ ظناً منهم أن إفشاء سرّ ولادتهم بمشاكل وعيوب في القلب قد يقضي على مستقبلهم ويبعدهم عن العمل.

5  أسئلة وأجوبة

1. ماذا يُقصد بأمراض القلب الخلقية؟

إنها نمو غير طبيعي في القلب، وينتج عنه خلل في تركيب ووظائف القلب. 

2. ماذا تعني قسطرة القلب؟

القسطرة القلبية وسيلة علاجية لتوسيع الفتحة بين الأذينين، ما يسمح بمرور الدم بسهولة. وتستخدم، أيضاً، في إغلاق بعض الثقوب الموجودة بالقلب. 

3. هل تحتاج معالجة ثقب القلب إلى عملية جراحية؟

قبل أربعة أعوام، نجح الدكتور فادي بيطار، في سدّ 3 ثقوب في قلب طفل لم يتجاوز الـ10 أعوام، من دون الخضوع لجراحة، وكان ذلك بمثابة إنجاز أول من نوعه في لبنان والعالم.

4. ما الحالات التي تستوجب زراعة القلب؟ وهل تجعل الطفل يكمل حياته بشكل عادي؟   

يلجأ الطبيب إلى زراعة القلب في الحالات المعقدة، التي لا يمكن إصلاح العيب فيها. ويتمّ خلالها استبدال قلب طفل بقلب طفل آخر توفي للتوّ. ومشكلتها أن القلب المزروع لا يكبر مع الطفل. 

5. كيف يؤثر وجود عيب خلقي في القلب؟

يؤثر وجود ذلك في جدران وصمامات القلب، والأوعية الدموية أيضاً، وأمراض القلب هذه هي السبب الأول في وفيات الأطفال عالمياً، بسبب عيوب خلقية.